اللعبة الأخيرة: دمشق- صنعاء؟

كفاح محمود كريم

    لا اعرف لماذا كلما هوى صنم من أصنام شرقنا التي صدأت من طول انتصابها، تذكرت عواصمَ ترزح تحت نير طغيان نرجسيين مرضى استحوذوا على الحكم في غفلة من زمن غابر، أعقب حقبة الخلافة العثمانية المتهرئة، وتحولوا هؤلاء الحكام الى مدارس للهمجية والقسوة والطغيان!

    تذكرت دمشق وأهليها البر الميامين، وما يجري في حاراتها وشوارعها الخلفية، وانين آلاف المعتقلين، وصراخات أولئك الشبيحة المنحرفين، وهم يدعون أسراهم الى ربوبية صنمهم؟
   تذكرت صنعاء وشعرائها المبدعين، وهذا الشعب المخدر بالقات والشعارات، والموسوم بالتخلف والبدائية، وكيف نهض ليحرق كل هذه الادعاءات، ويثبت انهم فعلا أبناء حضارة إنسانية رفيعة، كانت ذات يوم تشيع السعادة والإبداع والخير في مأرب وضواحيها، وتلك الأساطير الجميلة لمليكتها، التي أصرت الا ان تظهر ثانية في شخص النوبلية الأولى توكل كرمان وهي تطرز اسم بلادها وجنسها بوسام نوبل للسلام أول مرة في تاريخ شعوب بلادنا!

 
     وأعود الى البلاد الأعرق لنتذكر معا هنا في بلاد الرافدين حينما انكفأ صنمهم الكبير الى تلك الحفرة المهينة وانهار نظامه خلال أيام معدودة، كيف فتحوا بوابات بلادهم ومعسكراتهم وأقبية مخابراتهم لقوافل من الإرهابيين القادمين من عوالم اليأس والإحباط والشذوذ والانحراف، ليجزوا رؤوس الأبرياء من الشباب والشابات والشيوخ والنساء، وليزرعوا في ارض العراق نافورات الدماء التي ظنوها ستبعد عنهم عاصفة التغيير والسقوط؟

     اليوم يسقط طاغية آخر من الذين تباكوا على صنمهم الكبير واعتبروه شهيدا ورمزا لهم، وأقاموا له تماثيل في ساحات بلادهم المنكوبة بهم وبجماهيريتهم الكاريكاتيرية، لتنتهي مرحلة من مراحل مباراة السقوط والانهيار، التي بدأت بنظام صدام حسين ومن ثم نظام زين العابدين ومبارك وأخيرا ملك ملوك افريقيا وعميد الرؤساء العرب معمر القذافي، لتنحصر اللعبة النهائية بين دمشق وصنعاء، حيث تبدأ مرحلة أخرى من المباريات التي ربما تفتتحها الجزائر والسودان في اقرب فرصة بعد انتهاء اللعبة الأخيرة في نهائيات هذه المرحلة!

kmkinfo@gmail.com  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس تدور عجلة الزمن في سوريا بعكس اتجاه الحضارة والرقي، رغم القضاء على أحد أكثر الأنظمة المجرمة قسوة في العالم. يُساق الشعب، بمكوناته الثقافية والدينية المتنوعة ومراكزه الثقافية، نحو التخلف والجمود الفكري الممنهج، في ظل صدور قوانين وممارسات سياسية متناقضة وعلاقات دبلوماسية متضاربة. فمن جهة، هناك نشاطات وحديث نظري عن الانفتاح على العالم الحضاري واحترام جميع مكونات سوريا…

إبراهيم اليوسف بدهيّ ٌ أن ما يجري- الآن- في الوطن أمرٌ غريب ومثير للتساؤل. إذ هناك من يحاول تحويل البلد إلى سجن كبير من خلال فرض نمط تربية صارم، وكأننا أمام فتح جديد يتطلب جر الناس قسرًا إلى حظيرة مرسومة. وكلنا يعلم أنه على مدى مائة عام، فقد اعتاد السوريون على نمط حياتي معين لم يستطع حتى النظام…

عبدالعزيز قاسم بعد كفاح طويل ومرير ومتشعب من الصراع خاضه السوريون، وإثر ما عرفت بالثورات “الربيع العربي” والتي لا تزال إرتداداتها مستمرة كما هي الزلازل الطبيعية؛ لاحقاً فقد تمت الإطاحة بنظام الحكم في سوريا ٠٠٠ وبما انه لا بد من ملئ الفراغ الذي خلفته الإطاحة العسكرية تلك وتداعياتها في عموم الساحات السورية والكردية خصوصاً؛ فقد بادر اصحاب الفكر الإستباقي…

درويش محما من كان يصدق أن يسقط بشار الأسد فجأة خلال بضعة أيام وعلى النحو الذي رأيناه؟ لو جاءني أحدهم قبل أن تتحرر دمشق، وقال: إنَّ الأسد ساقط، لقلت له: كلام فارغ ومحض هراء. وأقصد بالساقط هنا الساقط من الحكم والقيادة، لا الساقط الدنيء الشاذ في السلوك والتصرفة؛ للتوضيح أقولها ولتجنب السهو واللغط، لأن بشار الأسد لم يعد اليوم ساقطًا…