صلاح بدرالدين
من احدى المفارقات المثيرة للدهشة والسخرية في آن التي يلحظها المراقب لدى متابعة الثقافة السياسية المعمولة بها الآن لدى نخب ومنابر أنظمة الاستبداد الشمولية وصنيعتها من مجموعات الردة الظلامية لجناحي – الاسلام السياسي – المذهبيين في المنطقة ويصعب على المواطن العادي فهمها واستيعابها في أكثر الأحيان هي أن من صادر حريات الشعوب عقودا يطل على الناس – محررا ! – وأن القاتل يمشي في جنازة الضحية وأن من جلب القوات العسكرية الأجنبية وتعاون معها في الأمور الصغيرة والكبيرة وخاض معها الجهاد الأكبر ضد الكفار الملحدين يزعم مقاومة الاحتلال
وأن من هدم أسس التعايش بين مكونات وفئات الشعب الواحد وأثار وأجج الفرقة والانقسام بمصادرة الحقوق وتطبيق التميز بسبب القومية والعنصر يخرج علينا دون أن يرف له جفن بمعزوفة – الوحدة الوطنية – .
فالوحدة الوطنية بمفهوم ” فسطاط الممانعة ” تعني :
في العراق عودة النظام الدكتاتوري السابق ” الذي كان يقود الدولة والمجتمع ” ( نحو الابادة والهلاك ) بأجهزته القمعية ودكتاتوره الأرعن وثقافته الفاشية العنصرية ليتسلط من جديد على مقدرات العراق ورقاب العراقيين ويثير الفرقة بين مكوناته وأطيافة ويسعر الطائفية والكره والاحتراب ويوجه سلاح الابادة الجماعية ضد أي طرف أو شعب أو قومية لا ينصاع الى ارادة الطاغية ويخنق التجربة الفتية في التغيير الديموقراطي والخلاص والحرية والعودة عن الجهود الموفقة في حل المسألة القومية الكردية على أساس الفدرالية التي أعادت الحياة لعلاقات الصداقة والتعايش السلمي والاتحاد الاختياري الصلد بين العرب والكرد ويعيد الكرة في العدوان على دول الجوار واثارة التهديد والتوتر الأمني في المنطقة وفي دول الخليج على وجه الخصوص .
في لبنان اعادة هيمنة المنظومة الأمنية السورية بحاكمها ومخابراتها وأدوات تخريبها وأجهزة ارهابها وتسليم قيادة البلاد ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية الى مناصري وأزلام نظامي الاستبداد في دمشق وطهران وتعزيز مواقع مجموعات – الاسلام السياسي – الأصولية من حزب الله وحركة أمل الشيعيتين الى جماعات – يكن – والأحباش – والعدس – السنية لقطع الطريق نهائيا على أي بصيص أمل يراود اللبنانيين في يوم من الأيام على تحقيق لبنان ديموقراطي علماني متقدم وتحويل البلاد الى ساحة تجارب تتعرض في أي وقت الى الدمار كما حصل الصيف الماضي على يد أرباب – الشيعية السياسية – والى معسكر تدريب المرتزقة الارهابيين وتصديرهم لضرب الأهداف في الدول العربية والاقليمية والعالمية حتى تتمكن العصابات الحاكمة في سورية وايران من صيانة نظاميهما من السقوط وفرض الخوة والأتاوات على دول الخليج والتدخل باسم الطوائف في شؤونها الداخلية وابتزاز العالم الحر في اوروبا وامريكا والبلدان الأخرى كقراصنة يمكن أن تسيطر على أسلحة الدمار الشامل أيضا .
في فلسطين سيطرة قوى التخلف الأصولي الاسلامي المتطرف على مقاليد الأمور بتعبيراتها الهزيلة وشخوصها النافرة والجاهلة في فنون السياسة والادارة والتخطيط والعمل الوطني والقومي بديلا عن قوى التغيير الديموقراطي والعقلانية والاعتدال وخبراء العمل السياسي النضالي الذين اكتسبوا المعرفة وفن القيادة من صلب حركة التحرر الوطني الفلسطيني خلال عقود بظروفها الصعبة والقاسية وتعرجاتها وهزائمها وانتصاراتها والهدف هو الابقاء على القضية الفلسطينية دون حل سياسي ولا يهم معاناة الشعب وتهجيره وتجويعه لاستثمارها أوقات الحاجة وتكريس الصراع الديني بين الشعب الفلسطيني وشعب اسرائيل وتحويل المسألة الفلسطينية بما هي قضية قومية سياسية تحررية تنشد حق تقرير المصير الى حركة دينية اصولية عنفية تنشد اقامة امارة اسلامية لمواصلة الصراع مع أتباع الديانة اليهودية ,وكان لافتا توجه وزير خارجية ايران نحو امين عام – حركة الجهاد الاسلامي – خلال اجتماعه الأخير به وبا – الحماسي خالد مشعل – بدمشق بالقول ” «سمعنا عن وساطتكم المعتبرة للخروج من الأزمة.
ونرى وجوب الاستمرار في هذا الدور من دون التخلي عن الثوابت» التي تتضمن معارضة الحركة لـ «وثيقة الوفاق الوطني» ورفضها الدخول في برنامج سياسي تحت سقف اتفاق اوسلو ” وهذا يعني عمليا تدخل الدبلوماسي الايراني في صلب الأمور الداخلية الفلسطينية وتحديد مفهومه الخاص – للوحدة الوطنية الفلسطينية – بالخروج من الاجماع الوطني ومواجهة حركة فتح التي جاءت باتفاقية اوسلو .
هذا هو مفهوم الحلف الاستبدادي – الأصولي – الارهابي في المنطقة لشكل ومضمون – الوحدة الوطنية – مثل مفهومه وموقفه تجاه أية مسألة أخرى من الدستور والقوانين الى نظام واسلوب الحكم والطريق الاقتصادي ودور الحاكم الفرد وأطر الوسيلة المتبعة – حزب , حركة , ولي فقيه , رجال دين – وموقع المال والجيش والأمن والميليشيات , وقد دأبت أنظمة الاستبداد خلال تسلطها على المتاجرة بمسميات وهياكل فارغة وتضليل الشعوب زاعمة وجود أطر مثل – الجبهات والتحالفات والبرلمانات والمجالس على أنها تعبيرات عن – الوحدة الوطنية – وهذا التضليل بعينه ما تقوم به جماعات – الاسلام السياسي – المتعاونة مع نظم الاستبداد في مجال تنظيماتها باسم الشورى والاجماع والمقاومة والاسلام هو الحل وطرد المحتل وتحرير الأرض لتصل بالنهاية الى بيت القصيد – الوحدة الوطنية – بما هي انقسام واحتراب وتكفير حسب مفهومها .
المعركة محتدمة بكل أشكالها وقوى التغيير الديموقراطي في كل مكان ومن ضمنها الحركة الكردية معنية بها بل في القلب منها وماعليها الا مواصلة الصمود لتحقيق النصر النهائي .