أردوغان: اعترافك بالكرد أولى من اعترافك بالمجلس الوطني السوري

جان دوست

لا شك أن المجلس الوطني السوري بحاجة إلى دعم سياسي كبير إقليمي ودولي كي يقف على قدميه ثابتاً ويبدأ أولى خطواته العملية باتجاه إسقاط النظام..

ويبدو أن القيادة التركية التي سارت في طريق تصفير المشاكل مع الجيران حسب مهندس السياسة الخارجية التركية داوود أوغلو..

يبدو أنها لغاية في نفس يعقوب خلقت عدواً إقليمياً هو النظام السوري وخرجت من إطار تصفير المشاكل إلى إطار خلق المشاكل..

في اليومين الماضيين تداولت وكالات الأنباء خبر قرب اعتراف تركيا بالمجلس الوطني السوري..ورأينا كيف أن داوود أوغلو اجتمع مع وفد من المجلس وأمطرهم (بالنصائح السديدة) حول طريقة التعامل في المرحلة المقبلة مع الشارع الثائر والنظام الساقط..
لتركيا الحق في الاعتراف بمجلس سوري معارض كان لها قصب السبق في عملية ولادته القيصرية في اسطمبول..ولها الحق في أن تمارس لعبة كسر العظم مع دمشق التي احتضنت بدورها ولسنوات طويلة قيادة حزب العمال الكردستاني وكوادره وغضت النظر عن تدريب قوات الأنصار على الأراضي اللبنانية والسورية..وها هي القيادة التركية تستغل أول فرصة لتنتقم من تلك الأعوام (السوداء) وتتبنى المجلس الوطني السوري وتصبح عرّابه إلى المحافل الدولية وتقدمه على أنه البديل الأنسب لنظام يتهاوى تحت ضربات الشارع الذي لا يهدأ..
لست هنا في معرض الحكم على المجلس الوطني السوري ولا في معرض تقييم السياسة الإقليمية لتركيا (وهي دولة معادية لكل طموح كردي حر) لكنني أود الإشارة إلى أن تركيا مدعوة أولاً إلى حل القضية الكردية إن كانت فعلاً تملك إرادة الخير في المنطقة..وبدل الاعتراف بالمجلس الوطني السوري أو بالأحرى موازاة مع الاعتراف بذلك المجلس عليها أن تعترف بمن يمثل الشعب الكردي بملايينه الخمسة والعشرين في تركيا وتطلق سراح المعتقلين والمعتقلات في سجونها الكريهة..وتعترف بالشعب الكردي دستورياً وبحقه في تقرير المصير.


إن سياسة الترقيع ورمي الفتات التي مارستها حكومة حزب العدالة والتنمية والتي نالت الاستحسان في البداية من كثير من الناس، بينهم كاتب هذه السطور، لم تنجح لأن إرادة الحرية أكبر من مجرد إصلاحات بسيطة مثل السماح بطبع كتب باللغة الكردية أو فتح قناة تلفزيونية أو التخفيف من الوجود العسكري في المدن الكبرى في كردستان..
كان على أردوغان وحكومته أن لا تترك في الهواء تلك اليد الكردية التي امتدت للمصافحة أكثر من ستة أشهر..حين أعلنت قيادة حزب العمال الكردستاني عن هدنة حتى شهر حزيران من هذا العام..كانت تلك فرصة كبرى للسلام في كردستان والجلوس إلى طاولة المفاوضات..لكن العنجهية التركية والصلف والغرور لدى الجانب التركي أبقى تلك اليد ممدودة في الهواء كل تلك الأشهر دون استجابة حقيقية للرغبة في السلم الأهلي وحقن دماء جنودها الأتراك على الأقل..وعلى ذكر حقن دماء الجنود  فقد طرحتُ قبل يومين على صفحتي في الفيسبوك سؤالاً قلت فيه: لماذا لم يستفد أنصار حزب العمال الكردستاني من أسراهم من الجنود الترك الثمانية خلال ملحمة الزاب كما فعل الفلسطينيون مع اسيرهم جلعاد شاليط؟ فرد عليّ صديقٌ من كردستان الشمالية: إن الأتراك يزعمون أن رجلاً تركياً واحداً يساوي الدنيا..لكنهم يكذبون..ولو أن حزب العمال أسر لواءً كاملاً لما اهتم الأتراك لذلك إذ لا قيمة للجنود الترك عند القيادة العسكرية..
والواقع أن رد صديقي كان صحيحاً..فهاهم الجنود الأتراك يتساقطون دون أن يرف جفن للقيادة التركية التي تردد كما تردد نظيرتها السورية  تلك العبارة اللامبالية واللامسؤولة: خلصت..أو سنقضي عليهم..أو نطارد فلولهم..

نعم.

فلو كان الأمر متعلقاً فعلاً بتنظيم مسلح..إرهابي أو غيره..لتم القضاء عليه سريعاً..لكن القضية قضية شعب يريد حريته..يريد أن يزيح عن كاهله عبودية مئات السنين.

وإذا بقيت قيادة أردوغان تفكر كما كانت سابقاتها وتتصور أن رماد إصلاحاتها التي تذروه في أعين الكرد والمجتمع الدولي ستعمي الجميع عن حقيقتها الغاصبة للحق الكردي فإن الدم التركي سيراق غزيراً على أرض كردستان..كما سيراق الدم الكردي أيضاً..ولن تنتهي هذه الحرب ما لم تنتقل إرادة السلام إلى الجانب التركي الذي لا يبدو أنه سيقر قريباً بضرورة إعادة الحقوق لشعب لا يمكنه أن يسكت..

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…

شيركوه كنعان عكيد تتميز سوريا كما يعرف الجميع بتنوعها القومي والديني وكذلك الطائفي، هذا التنوع الذي استطاعت السلطة البائدة أن تبقيه تحت السيطرة والتحكم لعقود طويلة في ظل سياسة طائفية غير معلنة، ورغم أن علاقة الدين بالدولة بقيت متشابكة، إلا أنها لم تصل إلى حد هيمنة العقلية الدينية أو الطائفية على مؤسسات الدولة بصورة صريحة. أدى ذلك الوضع تدريجيًا إلى…

علي جزيري نشرت جريدة قاسيون، في الخميس المصادف في 17 نيسان 2025 مقالاً تحت عنوان: “لماذا نحن ضد الفيدرالية؟” انتهج القائمون عليها سياسة الكيل بمكيالين البائسة بغية تسويق حجتهم تلك، فراحوا يبرّرون تارة الفيدرالية في بلدان تحت زعم اتساع مساحتها، ويستثنون سوريا لصغر مساحتها…! وتارة أخرى يدّعون أن سويسرا ذات (أنموذج تركيبي)، يليق بها ثوب الفيدرالية، أما سوريا فلا تناسبها…

صلاح عمر منذ أن خُطّت أولى مبادئ القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، ترسخ في الوعي الإنساني أن الشعوب لا تُقاس بعددها ولا بحدودها، بل بكرامتها وحقها في تقرير مصيرها. ومنذ ذلك الحين، أُقرّ أن لكل شعب الحق في أن يختار شكله السياسي، وأن ينظّم حياته وفق هويته وتاريخه وثقافته. هذا المبدأ لم يُولد من رحم القوة، بل من عمق…