الأحزاب الكوردية و سقوط ورقة التوت الأخيرة

هيم عمر

في أوائل آذار من عامنا الجاري و بعدة أيام قبيل إنفجار الثورة السورية، خرجت مجموعة من الأحزاب الكوردية من إجتماعات ماراثونية لها بإتفاق على إحياء الذكرى السابعة لإنتفاضة 12 آذار بشكل مشترك.

بحسب المعلومات التي تسربت في حينها من الإجتماعات تعهدت كافة الأطراف بالإلتزام بطابع محدد للحفل الذي قُرر تنظيمه في مقبرة قامشلو، و كانت احدى التعهدات تنص على الإمتناع عن إبراز الرموز و الرايات الحزبية و الإكتفاء برفع صور الشهداء.

ما حصل على أرض الواقع كان بالضبط عكس ما تم الإتفاق عليه!
في اليوم و الوقت المحددين له توافد آلاف المواطنين الكورد إلى مكان الحفل لإستذكار أبنائهم البررة الذين ضحوا لقضية شعبهم بأغلى ما ملكوه، و لكنهم أصيبوا بصدمة صاعقة جراء الحفل الكئيب الذي كان بكل أوجهه دون مستوى الذكرى: عشرون دقيقة مملة و مخزية من التسابق في رفع و إبراز الرموز و الرايات الحزبية و إلقاء الخطابات المبتذلة و الجوفاء من قبل القيادي في هذا الحزب أو ذاك، و كل ذلك على مسمع و مرأى رجالات الأمن الذين سهروا على معاينة الوقت لعدم إعطاء الفرصة لإطالة الحفل و لو لبضع دقائق معدودة.

في نهاية الحفل لم تنسى الأحزاب تذكير الحضور بتصميمها على مواصلة الدرب لغاية إحقاق الحق.

أما الجمهور فعاد أدراجه محبطاً، مستشيظاً الغضب و السخط، و مردداً في قرارة نفسه عبارات اللعنة على قدرهم الأسود.

في ساعة لاحقة من ذات اليوم تناقل أبناء المدينة نبأ إذعان الأحزاب لإملاءات أجهزة النظام و خرقها بالمقابل لإتفاقها فيما بينها.

بعد ذلك بتسعة أيام و أثناء إحتفالات نوروز و بعدة أيام بعيد إنطلاق الثورة، حررت تلك الأحزاب الجمهور الكوردي مجدداً من وهم الوثوق بها و الإتكال عليها، عندما شاهدوا عبد الحكيم بشار و غيره من القيادات الحزبية و هم يتربعون وسط أزلام أجهزة الأمن التابعة لنظام الأسد، في ظل خيم أطلت على جموع المحتفلين الكورد و بأياديهم أعداد لا تحصى من أعلام كوردستان و صور لرموز كوردستانية، في منظر سوريالي لم نفكر يوماً أن نشهده ما حيينا.

و لكن بعض العقلاء و المبصرين بماهية الأمور أدركوا في لحظتها بأن شهر العسل الحزبوي مع النظام لم يكن ليدم طويلاً، و أنه بالنهاية سيعود على الكورد بنتائج لا تُحمد عقباها.

بعد ذلك بحوالي سبعة أشهر لا يزال المشهد الحزبي الكوردي و تفاعله مع الثورة على حاله، خالياً من أية أخلاقيات تضبط جزئياته.

قالوا للجمهور في البداية بأن الكورد لن يبادروا إلى الإنتفاض، و لكنهم لن يتوانوا عن اللحاق بركب الثورة إن فجر الشركاء العرب شرارتها الأولى.

فكان لهم ذلك في درعا و لكنهم لم يتحركوا ساكناً، بل طلبوا منه عدم التسرع و التمهل لغاية إتساع رقعة الثورة.

فكان لهم ذلك مع شمل الإحتجاجات لدمشق و اللاذقية و بانياس و حمص و حماة و دير الزور و أدلب و بقية أنحاء سوريا، و لكنهم بدلاً من دعوة الشعب للإنضمام للثورة و قيادة الجمهور الثائر، فضلوا الحوار مع الدكتاتور، تماشياً مع مبادرتهم البائسة التي بقيت أحرف ميتة على قطع بالية من الورق.

بعد تخليهم عن فكرة الحوار مع النظام تحت وطأة الضغوط الشعبية، بدأوا عملية البحث عن ذرائع جديدة لتخلفهم عن ركب الأحداث العظيمة التي تعصف بالبلاد، فما وجودوا وسيلة أفضل من إثارة غرائز الخوف لدى الجمهور.

دخلنا دائرة جنونهم و هذيانهم و نحن نسمعهم يروجون بهمس: “ما لنا بقتل أطفال درعا و بانياس و حمص؟ هل تريدون لأطفالنا و نسائنا نفس مصيرهم؟ أين كانوا هم عندما تعرضنا في 2004 للفتك و الهلاك؟”، متناسين أنهم كانوا أول من خذل الشعب المنتفض و إبناءه الشهداء في 2004، بالتآمر على إنجازهم و الحط من قيمة بطولتهم التي إستصغروها إلى درجة “أحداث”.

في الآونة الأخيرة بدأوا بتمرير لعبة جديدة تتناغم مع توجهات النظام، عبر التحدث عن تآمر خارجي يهدف إلى ضرب الإستقرار في المناطق الكوردية و تعريض قاطنيها لويل الخراب و الدمار.

الجهات المروجة لفكرة التآمر هذه تشير إلى تركيا في مقدمة الأطراف المشاركة فيه و تحذر من توريط و إستغلال الكورد بثمن بخس.

بعض المنظرين الحزبويين المعروفين بسب و شتم كل من يخالفهم الرأي، اتهموا الكورد الساعين لإسقاط النظام، بمن فيهم المنضوين في المجلس الوطني السوري، بالإرتماء في أحضان أردوغان لقاء حفنة من المال.

أحد هؤلاء “العملاء” في وجهة نظرهم كان مشعل تمو! أتسائل الآن بعد إستشهاده أين بات محل مشعل من الاعراب في ذهنيتهم البارعة في توزيع صكوك الخيانة يميناً و شمالاً؟!

هؤلاء المنظرون و حزبهم العائم في بحر من التناقضات، لا يرون أية فائدة للكورد في الثورة السورية سوى إستخدامها كورقة ضغط لإستحصال الحقوق الكوردية من النظام القائم.

كما أنهم يتسائلون عن الجدوى من المخاطرة بأمن و سلم المناطق الكوردية طالما أن هذه الحقوق يتم إستحصالها بشكل من الأشكال هذه الأيام، و لأجل إثبات صحة قولهم يستدلون بإفتتاح “المدارس و المراكز الثقافية” الكوردية.

طبعاً كلام مردود عليه بأكمله، و مع ذلك ليتهم حرصوا بنفس القدر على أرواح آلاف الشبان و الشابات الكورد ممن يتم زجهم منذ ما يقرب 30 عاماً في حرب لا طائل منها، و ليتهم إكترثوا لمصير ملايين الكورد الأبرياء الذين إضطروا في آتون تلك الحرب العشواء إلى ترك بيوتهم و قراهم للعيش في مذلة و مهانة المتروبولات التركية، و ليتهم تسائلوا و لو لمرة عن الجدوى من اعلان الحرب بعد تمكن ممثلي الشعب الكوردي من تحقيق نصر انتخابي كبير بمضاعفة مقاعدهم البرلمانية و مباركة المجتمع الدولي لإنجازهم ذاك، و ليتهم هزت لهم شعرة لدى رؤية مئات القرويين الأبرياء و هم يتعرضون للقتل و التشريد جراء قصف النظامين التركي و الايراني لاقليم كوردستان بذريعة ملاحقة مسلحي حزبهم.

ألهذه الدرجة دماء كورد الشمال و الجنوب رخيصة لديهم بمقابل الدماء الغالية للكورد في سوريا؟!

إن إستشهاد مشعل تمو و باقي شبابنا الأبطال في الأيام الأخيرة أسقطت ورقة التوت الأخيرة عن عورة الأحزاب الكوردية و من يدور في فلكها.

فمن أطلع على فحوى البيان الصادر عنها و إلقاءه باللوم على المتظاهرين الكورد المسالمين للتصعيد الذي شهدناه، لم يستغرب إستشهاد اعلام النظام به، لكونه صب في مصلحة النظام و دعم روايته تماماً.

أحد القراء أمدنا في هذا الخصوص بتعليق ضارب: “إن هذا البيان لو خرج من الغرف الأمنية السورية لما كان بهذه الكلمات المخزية”!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…