صدى تساقط قطرات دم الشهيد

د.

محمود عباس

   ينبثق الزمن من أعماق صفحات التاريخ الممزق عنوة، تتوضح بين ثناياه وفي المسافات البعيدة ألتحام جذور الحق والشعب، الباطل والسلطة، وتنار أسطر جديدة من على وجه التاريخ الحديث، ترقن بنفس الإتجاه، لكن بنقاء الحروف ورونقة في الكلمات، وإباء في الحدث، لتظهر للقادم من الأجيال، ثبات الوجدان في الوجود ومواقف الرجال في عنفوان ثورات الشرق النقية، وتبان غايات سلطة فاسقة لدمار الحقيقة والوطن.

آجلاً سينبثق شعاع الحرية وسيتحدث التاريخ عن عهر الضلالة التي غرزها آل الأسد في قمة قاسيون الشام، كيف أفسدوا من فوق آفاقها الوطن والمجتمع، وسيقرأ الأنقياء من الناس ما بين سطور التاريخ كيف أنكل طغاة سوريا من وراء خلفيات الحقد والكراهية بالشعب في الثورة الشبابية التي جابت شوارع وزوايا ساحات الوطن.
  شهداء يملؤون التاريخ في عصر حكام العهر، دمائهم تنفذ إلى ثنايا أرض الحضارات، لتقلع من بين ركام الماضي وردة الحرية من الأعماق وتظهرها للعالم بما حصل لها في عهود طغاة سوريا الوطن المغتصب، الوردة التي وأدها السلطة منذ أكثر من نصف قرن، وتراكمت فوق رفاتها وعلى مر العهود مآسي النهب والسلب والفساد والإجرام بيد مافية  آل الأسد.

   أضيف اليوم على التاريخ صفحة جديدة ليخلد شهيد يواكب شهداء الكرد والوطن السوري، فحفرت حروف أسمه بين سطورها بتمهل وإناة لئلا تغيب عن ذاكرة المجرمين يوم سيذكرهم شهداء الحرية بالجريمة ويوم سيقدمون إلى قسط الشعب وميزانه، وعند المحاكمة في الزمن الآتي القريب.

من سيتبرأ من دم الشهيد “مشعل تمو” الرجل الذي صرخ بدون هوادة في وجه الطغيان وفي  ساحات الوطن، بجمل واضحة العبارات مختصرها “أسقاط النظام” أنتقل “مشعل تمو” من أجواء الزمان والمكان إلى مهاجر في أعماق السكون مادة، والكون روحاً خالداً، أبى ألا وأن يلحق بالشهداء عزيزاً، ويرفد دماء الأبطال بدمه مشاركاً السيول التي تجرف العهر والأفعال اللإنسانية من الوطن، دماء كانت تنقط من شهيد  لتطهر الأرض التي دنسها المجرمون، وتطرق الثرى لتوقظ الحرية الملقية في زوايا ظلمات أقبية طغاة السلطة السورية.
  أقتلاع عرش السلطة الأسدية تقترب من نهاياته، وأزدادت فعاليات نخر أركانه من قبل  ثورة الشباب السوري من كل حوافه، فلا يجد طغاتها من بد سوى الهروب إلى فظائع وأحداث فتن طائفية من جهة وأثنية من جهة أخرى، والأنكى بحثهم في أعماق الوطن عن أبشع الطرق لخلق صراع في كل محيط، وما مقتل الشهيد ” مشعل تمو ” سوى لجوء لآخر البدع الإجرامية في صراعهم من أجل البقاء، آملين من ورائها إلهاء الكرد ببعضهم من جهة وترهيب أطراف الحركة الكردية ما قبل المؤتمر الوطني الكردي القادم، لتبقيهم على مسافة عن مسيرة الثورة في المناطق الكردية.
 وما مآلي هنا سوى مناداة الإخوة جميعاً في الوطن والخارج وأخصهم الكرد، بالإنتباه  والحذر من الألاعيب الخبيثة التي تحبكها جناة العصر في السلطة السورية.

لنكن أعلى من الخديعة ونتمسك بالحكمة ولا ننجرف إلى المطبات التي حفرتها السلطة بأنيابها ومخالبها، الدراية والمنطق الفكري السليم تنادينا من أعماق تجارب التاريخ الماضي بأن أية فتنة تحصل وأية جريمة تحدث المتهم الأول والآخير هي السلطة السورية، تفعلها وبدون رحمة في لحظات ضعفها، وعند الإحساس بالإنهيار، بأيادي الشبيحة، ورعاع السلطة الأسدية، سفهاء العصابات المرتزقة يلهثون وراء الطغاة، تدفع بهم إلى شوارع وساحات الوطن لسفك دماء الأطفال والنساء قبل الرجال، والقادة قبل العامة، يبحثون عن نشطاء الثورة وملهميها وروادها، يرهبون بأغتيالهم الجماهير الساكتة حتى اللحظة والواقفين على الأرصفة صامتين وهم على أطراف مسيرات الثورة الشبابية.

طغاة سوريا يفلحون في مستنقعات الفتنة، آملين بالبقاء عمراً أطول، طامعين في نهب الوطن عهوداً أخرى.
 صراع واضح معالمه، وأن كان هناك من لايود الوقوف في جبهة بينة، والبعض لايزال يبحث عن لحظة تفكير قبل القرار الأخير، إلا أن هذا لا يعني أنهم ليسوا مع الثورة الشبابية ومع الشعب والشارع ضد الظلم والطغيان والفساد والمجرمين.

القتلة معروفين والآوامر الصادرة لا تحتاج إلى تفكير لمعرفة مصادرها، والغاية بينة.

مآلهم أخماد أوار الثورة في المناطق الكردية.

البعض يقول هناك من فعلها لتأجيج النار فيها! الثورة ملتهبة منذ إنتفاضة آذار المجيدة، والحراك السوري يكتمل الآن، والجماهير تدعمه، والحركة الكردية على أبواب مرحلة تاريخية نوعية جديدة، آملين بأنها ستورد الثورة بوقود متنوع القوى.


  لننظر بدقة إلى المسيرة، فالخاسر في وجود أو غياب ” الرجال بمواقفها ” أمثال الشهيد بين شباب الثورة السورية هي السلطة أولاً وآخيراً.

حياً في الثورة كان يزيدها أواراً، وشهيداً ألهب الشارع السوري بدمه الذي تساقط على شكل قطرات والتي تأبى أن تنضب إلى أن يخلد ويخلق في التاريخ حدثاً.
   ظن الذي قرر بقتله أن غياب الشهيد المادي سيعطي راحة بال وهدوء نفسي له ولمن حوله من الطغاة، إلا أن الظن كان مخيباً والقرار كان غباءً، ولم يأخذوا العبرة من القامشلو تاريخاً، ولم يدركوا بأن للشهداء أرواحاً لا تفارق سماء الوطن، تساند الثوار برمزيتهم وترفع المشعل لإنارة كل مسيرة موجهة لإسقاط النظام.
  وما ندائي هذا سوى لتحريك مراكز الحكمة في العقل قبل نوازع العاطفة، علينا أن نطلق الأحكام بأتزان وننتبه.

لا توجد طريقة في إيقاف هذا الإجرام وافشال المخططات الفاشية والموجهة لأغتيال رموز الثورة في المناطق الكردية وقادة حركتها، سوى بالتلاحم والإتفاق على التباحث والمحاورة والتماسك على مبدأ قبول الآخر، والإبتعاد قدر الإمكان عن الصراع والإتهامات المبنية على التخمين والشك والظن.

المسيرة طويلة وشاقة والعدو ظالم وخبير يملك سجلاً مليء بالإجرام المنظم.

لذا فالحذر من القادم والإنتباه لئلا ننجرف إلى مستنقعات الخديعة ومتاهات الضياع.
د.

محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…