مشعلُ الكردِ يولد مشاعل

  نارين عمر

ولدَ وعلى جبينه جذوة النّضال تتّقدُ, فأسموه (مشعل), نما وترعرعَ فلازمه ضياء الجذوة وشعاعها, فقلّدوه وسام (المناضل), ولمّا حاولوا إطفاء الضّياءِ وإخماد حرارة الجذوة استحقّ شرف الشّهادة  فصار (الشّهيدَ الحيّ) وإن رحلَ بجسده الذي أبقى على الرّوحِ تشاركُ العالم فرحه وحزنه.

كيفَ تمكّنوا من إطلاقِ الرّصاصِ على مشعل تمّو حينما التقوا به وجهاً لوجهٍ؟ ألم يلحظوا في محيّاه سمات النّقاءِ والشّموخ السّوريّ, الكرديّ الأصيل؟ ألم تدخلْ بسمتُه الهادئة الرّأفةَ في نفوسهم؟ ألم يشاهدوا في عينيه العشقَ المعمّد بحبّ النّاسِ والوطن والأرض؟
 لماذا لم يتنبّهوا إلى شفتيه اللّتين كانتا تنطقان بلسان شعبه بمعاني السّلام والحرّية وعشق الحياة؟ ولمَ لم يصغوا إلى فكره الذي كان ينبضُ بقلبِ شعبه الدّاعي إلى الأخوّةِ والأمنِ والطّمأنينة؟

الهيئات العالميّة توزّع جوائزَ سلام وحريّة على رسل السّلام والمحبّة والحرّية في أرجاءِ المعمورة, ألا يستحقّ الشّعب الكرديّ برمّته وفي كلّ بقاع العالم جوائز سلام يوميّة؟ بل لماذا لا ينشؤون جائزة للشّعوب الأكثر اضطهاداَ في العالم, لينالها الكردُ؟ وجائزة للشّعوب الأكثر توقاً للتّآخي ونشرِ المحبّةِ, فتوهبَ للكردِ؟ وجائزة للشّعوب الأشدّ عشقاً للحياة وتشبّثاً بالوجودِ على الرّغم من الظّلم والاضطهادِ الذي يتعرّضون إليه منذ آلافِ السّنين, فتكون من نصيب الشّعبِ الكرديّ؟
مشعل تمّو يعرف الآن تمام المعرفة أنّ مشاعر الفرح لدى شعبه الكرديّ وشعبه السّوريّ في عمومِ الوطنِ تعانقُ مشاعر الحزن على رحيله.

فنحن فرحون لأنّ مشعل نفسه كان قد أنبأنا بقدوم هذا اليوم المشرّفِ عاجلاً كان أم آجلاً وهو الذي وهب كلّيته وماهيته لقضايا شعبه وأمّته والإنسانيّة, ولكنّ عباءة الحزن تلفنا لأنّنا لم نتوقّع أن يكون قدومَ هذا اليوم عاجلاً, ولكنّنا على ثقة أنّ جسدكَ الذي مضغَ تلك الرّصاصات الغادرة كانت توصي روحكَ في تلك الّلحظات ألا تأبه لما يحدث, بل تظلّ مرفرفة حرّة كما كانت, وأنّكَ كنتَ تضحكُ في سرّكَ وتقول:
أيّها الضّعفاء! ما هكذا يُجابَه البطل!
ما هكذا ينطقُ العاقل!
وما هكذا يتعانقُ البشر!
زاهدة رشكيلو, امرأة تعانقُ نسائم السّلام والحرّيةِ التي تهبّ على خصلاتِ أنوثتها, فتحوّلها إلى رياح عاصفةٍ حينما يحاولون تلويثَ صفاءِ النّسائم, فتنقضّ عليهم, وتريهم أنّ القوّة لم تُخلق لجنسٍ دون آخر, تثبت لهم أنّها قويّة حين يتعلّقُ الأمرُ بالرّهان على مسألةِ البقاءِ أو عدم البقاء, ولتؤكّدَ باليقين القاطع أنّ الرّوحَ لن تستسلمَ للغادرين بالسّهولةِ التي يتخيّلونها.
مارسيل تمّو, أثبت لهم أنّ مشعل تمّو قد أنارَ مشاعلَ لا تنطفئ بمحاولةِ إطفاءِ شعاعه, وأنّ جسده أقوى من رصاصاتهم, وروحه التي ما تزالُ تنبضُ بفيض خيراتِ الوالد ستظلّ تنطقُ بالعشقِ والسّلامِ.

 
   لنجعل من دمِ مشعل عطراً نطهّرُ بها النّفوس المتعطّشة إلى دم الآخر.
لنجعل من دمه ومن دمِ كلّ شهداء الوطن المدادَ المقدّسَ الذي نخطّ به عهدَ الأخوّةِ والصّداقةِ والصّدق بين مختلفِ أطيافِ ومذاهبِ وملل الشّعبِ السّوريّ.
ليكن استشهاده واستشهاد كلّ فردٍ منّا رسالة إلى كلّ مَنْ يجرّدُ نفسه من إنسانيّتها, وقلبه من وداده, وفكره من تعقّله قبل إقدامه على فعله المنافي لكلّ القيم والخلق, فيعود إلى إنسانيّته, وينعمَ بودّ قلبه, ويسترشدَ بهدي فكره.

فنحنُ هنا لا نعزّي النّفسَ برحيل مشعل فحسب بل نعزّيها بفقدان كلّ مَن رحلَ منّا من الأحبّةِ, ونحزن على مَنْ يُغْرِقُ نفسه في بحر الظّلماتِ بدل العومَ في كوثرِ الإنسانيّة النّقيّ.
أرادوا أن يطفئوا مشعل الكرد وما علموا أنّ كلّ كرديّ يولد وفي يده مشعل دائم الضّياء, وفي جبينه بصمة إباءٍ لا تُمحى, ومن عينيه تذرفُ ومضة العشق السّرمديّ.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…