عمر كوجري
التحضير النفسي لتلقي أي نبأ مفجع وكارثي صار من عادة السوريين، حيث أضحى السوري ليس صباح الجمعة، بل في كل يوم إما يتجهّز لسماع خبر كئيب، أو يصير هو خبراً ” عاجلاً” وكئيباً لأصدقائه ومحبّيه.
التحضير النفسي لتلقي أي نبأ مفجع وكارثي صار من عادة السوريين، حيث أضحى السوري ليس صباح الجمعة، بل في كل يوم إما يتجهّز لسماع خبر كئيب، أو يصير هو خبراً ” عاجلاً” وكئيباً لأصدقائه ومحبّيه.
البارحة، ورغم أن كلّ دمائنا السورية غالية وعابقة، إلا أنني لم أتوقع أن يكون الخبر بهذه الجسامة، أيقظني صديقي من غفوة الحزن، قال: ثمّة خبرٌ عاجلٌ، فركضتِ الدماءُ في العروق، وتوجستُ أمراً جللاً، كان الخبر الفاجع العاجل: اغتيال المعارض الكردي مشعل التمو في القامشلي.
بعد برهةٍ رأيتُ كيف أن جسدَ الرائع مشعل قد أصبح حمامة تشدو للغد الآتي، والأجمل بالتأكيد، وكيف أن دماءَهُ القانية التي كانت تلوّن لوحةَ غرفة المشفى بأزهر اللون، وتكمّل لوحة الخلاص رغم أن الروح فاضت إلى باريها، رأيت كيف أن هذه الدماء أزهرت، وأينعت، وصارت حديقة غنّاء في دفتر رسم الوطن الجريح.
هذه الدماء التي آثرت أن تسيلَ..
وتسيلَ، كانت تنادي الخائفين من ظلالهم أن: هذه أنا ..
أنا الحرية الحمراء التي يتغنّى بسحرها الشعراء.
انحبست الأنفاس، وضاق الصدر، وأخذت الدموع مدرارة تغبش النظر، وتوجعُ القلب، بدأ الصوت يتوارى أمام هالة الحزن الكبيرة التي ارتسمت على الفؤاد والجسد الواهن.
يا إلهي!! أية أياد جبانة فكّرت في إزهاق روح الصديق الشهيد مشعل؟ أيُّ أصابع حقيرة وواطئة استقوت لتضغط على الزناد و” تسكت” هذا الصوت الهادر، وهذه الشجاعة الفائقة التي كنا، وما زلنا نفتقدها في قولة الحق دون وجل أمام جائر مهما علا كعبُه، وتوسّعتْ دوائرُ غيّه؟
التقيت بالشهيد مشعل مرات عديدة حينما كان يأتي الشام، كنت أحسدهُ على جرأته، وثقافته الثرة، وروحه الطيبة المرحة، ودماثة خلقه، وتواضعه الجم، مرات كثيرة كنت أصادفه متوجهاً في منتصف الليل وحيداً في السرفيس، فنتعانق، ويعدني بلقاء معه حالما ينتهي من مواعيده الكثيرة، حتى هذه اللحظات لا يبددها، ويبدأ مباشرة بإدخالك في حيز السياسة الأثير لديه.
قلت له مرة: زملاؤك القياديون من الحركة الكردية لا ينامون إلا في الفنادق الفخمة، ورفاقهم يحتاجون إلى تصريح للقاء بهم، يركبون أجمل السيارات، ويرتدون أغلى الثياب، يتعطرون أحلى العطور، كأنهم ” أباطرة ” زمانهم، أما أنت فوحيدٌ في هذا السرفيس، وذاهب للنوم عند رفاقك من العمال والساكنين في بيوت الآجار، فقال لي الشهيد مشعل: حتى تكسبَ ودّ رفاقك ومحبيك عليك أن تكونَ معهم، لا تتعالى عليهم، ما قيمتك بدونهم؟
أتذكّر كلامه قبل سنوات في خضمِّ نقاشٍ مع ثلة من الأصدقاء هنا: لكي نستطيعَ أن نقنعَ المثقف العربي السوري تحديداً إلى جانب قضيتنا الكردية، علينا أن نطوّر ذواتنا من كل النواحي وخاصة الثقافية والفكرية لنجابههم بالحجّة والمنطق، ونغيّر نظرتهم تجاهنا نحن الكرد، وعلينا أن نكون “مرنين” معهم، فمن الصعب أن تكسب تعاطفهم بالقول: نطالب بكردستان سوريا، وكذا وكذا..
إن تضامنوا معنا على موضوع إعادة الجنسية للأجانب الكرد، وأصدروا بياناً معنا فهذا مكسب كبير.
الصديق الرائع والجميل مشعل:
كل الكلمات تتحرّج أمام بياض ما فعلت..
كل الكلمات الآن جريحة وهي تنظر إلى وداعتك، وإلى عظيم فعلتك حينما قررت أن تكون شهيداً.
كل الكلام الجميل يفرُّ من بين أصابعنا لأن وجهكَ الهادئ الآن أجملُ من كلِّ قصائد الشعراء ومراثي الرّثائين.
طوبى لك يا صديقي، طوبى لروحك السمحة وهي تصعد السماء، طوبى لشعبك الكردي، بل شعبك السوري.
هذه الدماء التي آثرت أن تسيلَ..
وتسيلَ، كانت تنادي الخائفين من ظلالهم أن: هذه أنا ..
أنا الحرية الحمراء التي يتغنّى بسحرها الشعراء.
انحبست الأنفاس، وضاق الصدر، وأخذت الدموع مدرارة تغبش النظر، وتوجعُ القلب، بدأ الصوت يتوارى أمام هالة الحزن الكبيرة التي ارتسمت على الفؤاد والجسد الواهن.
يا إلهي!! أية أياد جبانة فكّرت في إزهاق روح الصديق الشهيد مشعل؟ أيُّ أصابع حقيرة وواطئة استقوت لتضغط على الزناد و” تسكت” هذا الصوت الهادر، وهذه الشجاعة الفائقة التي كنا، وما زلنا نفتقدها في قولة الحق دون وجل أمام جائر مهما علا كعبُه، وتوسّعتْ دوائرُ غيّه؟
التقيت بالشهيد مشعل مرات عديدة حينما كان يأتي الشام، كنت أحسدهُ على جرأته، وثقافته الثرة، وروحه الطيبة المرحة، ودماثة خلقه، وتواضعه الجم، مرات كثيرة كنت أصادفه متوجهاً في منتصف الليل وحيداً في السرفيس، فنتعانق، ويعدني بلقاء معه حالما ينتهي من مواعيده الكثيرة، حتى هذه اللحظات لا يبددها، ويبدأ مباشرة بإدخالك في حيز السياسة الأثير لديه.
قلت له مرة: زملاؤك القياديون من الحركة الكردية لا ينامون إلا في الفنادق الفخمة، ورفاقهم يحتاجون إلى تصريح للقاء بهم، يركبون أجمل السيارات، ويرتدون أغلى الثياب، يتعطرون أحلى العطور، كأنهم ” أباطرة ” زمانهم، أما أنت فوحيدٌ في هذا السرفيس، وذاهب للنوم عند رفاقك من العمال والساكنين في بيوت الآجار، فقال لي الشهيد مشعل: حتى تكسبَ ودّ رفاقك ومحبيك عليك أن تكونَ معهم، لا تتعالى عليهم، ما قيمتك بدونهم؟
أتذكّر كلامه قبل سنوات في خضمِّ نقاشٍ مع ثلة من الأصدقاء هنا: لكي نستطيعَ أن نقنعَ المثقف العربي السوري تحديداً إلى جانب قضيتنا الكردية، علينا أن نطوّر ذواتنا من كل النواحي وخاصة الثقافية والفكرية لنجابههم بالحجّة والمنطق، ونغيّر نظرتهم تجاهنا نحن الكرد، وعلينا أن نكون “مرنين” معهم، فمن الصعب أن تكسب تعاطفهم بالقول: نطالب بكردستان سوريا، وكذا وكذا..
إن تضامنوا معنا على موضوع إعادة الجنسية للأجانب الكرد، وأصدروا بياناً معنا فهذا مكسب كبير.
الصديق الرائع والجميل مشعل:
كل الكلمات تتحرّج أمام بياض ما فعلت..
كل الكلمات الآن جريحة وهي تنظر إلى وداعتك، وإلى عظيم فعلتك حينما قررت أن تكون شهيداً.
كل الكلام الجميل يفرُّ من بين أصابعنا لأن وجهكَ الهادئ الآن أجملُ من كلِّ قصائد الشعراء ومراثي الرّثائين.
طوبى لك يا صديقي، طوبى لروحك السمحة وهي تصعد السماء، طوبى لشعبك الكردي، بل شعبك السوري.