مشعل التمو.. عقل كردي لا يتكرر

إبراهيم اليوسف
 

كثيرة هي الصدمات الكبرى التي تعرضت إليها، في حياتي، أمام فجائع كبرى، هزتني من أعماقي، بيد أن”أم الصدمات” التي هزتني تجسدت في تلقي نبأ اغتيال صديقي الأول “مشعل التمو” مساء هذا اليوم، حيث رميت هاتفي أرضاً، وأنا أقول لمهاتفي: أرجوك لا تقلها، كي أضرب رأسي بحرقة من يفقد أخاً، أو أباً….!.


الدموع في عيني، وأنا أوزع النعوة الأولى لاستشهاد رفيقي أبي فارس، شيخ الثوار السوريين، غير مصدق ما تم، حيث لا يزال صوته يرنّ في أذني، حيث ستكون مكالمتي معه في سجل هاتفه الشخصي، في تمام الساعة الواحدة والنصف بتوقيت سوريا، من هذا اليوم، قبل استشهاده بساعتين ..أو ثلاث….، بعد أن كنا دردشنا قليلاً، عبر السكايبي، وأعطاني ملفاً ذا خصوصية
مراراً، أحاول الكتابة، بيد أن “كيبورد” الحاسوب يخذلني، والدموع التي تطفر من العين، تغبش الرؤية، وتترجم ضرام النار المشتعلة في الروح.
 
-مشعل يقتل… يا الله….!
 
-من لي بعد مشعل….

من؟؟
 
أسترد شريط علاقتنا الشخصية، منذ عقدين زمنيين وأكثر، الاختلافات الصغيرة التي كانت سرعان ما تتبدد، أمام إرث العلاقة المتينة، وهل أكثر من أن يقول لأية لجنة تتشكل-كما علمت- إن كان لنا ممثل واحد، فليكن: إبراهيم اليوسف، مع أن اسمي كان مزكًّى، من قبل  لجنة المجلس الوطني، وزادني اتحاد تنسيقيات شباب الكورد في سوريا، مثله ومثل اللجنة شرفاً عندما قاموا بتزكيتي أيضاً.
 
كان مشعل يكرر لي: إني في مخبئي، وأنا مستهدف يا صديقي، وكنت أعرف ذلك- تماماً-لاسيما وأنا أسترد كلمات أحدهم، بعد اختطافه في عام 2008، إنها خطة منه و..و ..، ، قلت له: هو ما قلته ياسيدي أنت ومن معك عن صديقي شيخ معشوق، هو شأنكم مع المناضلين الحقيقيين إلى أن يقضوا….
 
لقد أكدت المناضلة زاهدة رشو اليوم وهي في المشفى الوطني: إن هناك من تحدث بالعربية، وكانوا محملين”بالجعب” التي لا يضعها إلا عناصر الأمن، قد جاؤوا وطلبوا منه مرافقتهم، لكنه أبى، وعندما حاول ابنهم مارسيل منعه،فرشقوه … والمناضلة رشو بالرصاص، و”سربلوا” جسده بالرصاص اللئيم.
 
كنت أكتب له على “السكايبي” موقفي منه، وكيف أنني واجهت أحد الجاحدين بحق نضاله منذ أيام: إن ضابط أمن حاول منع مشعل من التحدث إلى أسرته في أولى زيارة له، في السجن فقال له: بشار أسدك، لن يستطيع منعي من التحدث بلغة، أسجن، الآن، من أجلها……!، فرح لهذا القول كثيراً.

وقلت له: لن أجاملك، فأنت من سجنك أعلنت انضمامك للثورة، وهو ما قلته لخصم آخر له…!، رد علي بعبارات سيقرؤها من سيدخلون”حسابه الشخصي في “السكايبي”.
 
كنت أحدثه عن الكتاب الذي أعده رفاقه عنه، أثناء سجنه، وكتبت مقدمته، وقلت: أتعرف لي وحدي شبه كتاب عنك، كتبته عنك، بعد اختطافك، وأثناء سجنك، فيقول: وأنا أثناء الاختطاف، كنت أقول في ذاتي: ما الذي سيكتبه إبراهيم عني، وما سيفعله الشباب الكوردي عني، وهو ما كان يدفعني لأقف وأواجه الجلادين.
 
إذا كان مشعل التمو-الرمز الكردي الأول-والقائد الكردي الأول، وصاحب العقل الأول، والشجاع الأول، والحكيم الأول، قد استشهد من أجل قضية إنسانه، وقضية بلده، فإن الحقد الكبيرعليه، من نظام الاستبداد، لدليل على مدى حضوره، ومدى تأثيره، ومدى خوف هذاالاستبداد الأمني منه.
 
النقاط البطولية الهائلة لمشعل كثيرة، وسأحاول أن أدون بعضها، ما استطعت، لاسيما في12 آذار، حيث كان أحد أسماء قليلة، استطاعت أن تكون “صوت الانتفاضة” واستدرت على نفسها “بعض” الأهلين والأعداء في آن واحد.
 
يبدو أن حقد النظام عليه ازداد، وتمّ تثبيت إدراج اسمه-بعد تعيينه في أمانة المجلس الوطني مؤخراً- في سجل المستهدفين، في القائمة التي كان معشوق أولها، وأرجو أن يسقط النظام قبل تنفيذ خطته، وإن كان في استشهاد مشعل ومعشوق، ما يعني استشهاد أمة كريمة، شريفة…..
 
إن دم صديقي أبي فارس، يجب أن يزيل أي غبش في الخلاف الكردي الكردي، ما دام أنه الجسر الكردي الأعظم نحو الثورة الظافرة، لا محالة.
 
روح مشعل بيننا، روح مشعل تنادي قياداتنا الكردية: أن التموا على الرأي و الموقف الواحد، فالمرحلة جد حساسة.
 
إن التاريخ سوف يدون اسم مشعل التمو، كما دون اسم صلاح الدين الأيوبي، والبارزاني،  والقاضي محمد، والشيخ سعيد بيران، بيدأن مصير قتلته سيكون في “مزبلة” التاريخ.
 
للدمع بقية………….!
 
هامش:
 
ثمة هواجس خاصة انتابتني اليوم سأكتب عنها….

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…