رمى الشيخ مسابحه… وقال…..!!!

خليل كالو

هو استذكار بسيرة رجال من اختاروا الموت في سبيل قضية وبمواقف عظيمة لهم في مفاصل التاريخ وعند الأوقات الحرجة كانوا قوة للحل أو جزءا منه.

فما أحوج الكرد إلى أمثالهم الآن لعل وعسى أن يستلهموا من سيرة أعمالهم بعض من روح الشجاعة والتضحية وقوة الشكيمة والحكمة وهم يعيشون الآن الأزمة التنظيمية والقيادة وغياب الرؤية والإرادة السياسية والتخبط في العمل والاضطراب في حسن التدبير .

فالذي قادنا إلى التذكير بتاريخ مضى بالرغم من عدم جني ثماره إذا ما فكرنا بمنطق التاجر ومفهوم الربح والخسارة ولكنه مشرق وغني بمدلولاته ومعانيه وقوته المعنوية وفخر لكل كردي أصيل .؟
 نحن الكرد نعيش الأزمة في كل شيء ولا تدري النخب ماذا تفعل لا بسبب عدم الاستعداد فقط بل لأن ما يجري الآن في الشارع السوري أكبر من أي حزب وجماعة وكل الأحزاب الكردية مجتمعة وحتى من الشعب الكردي بوضعه الحالي وكذلك من النظام البعثي القائم ومن الشعب السوري برمته بوضعه الحالي أيضاً وها هي المسألة تتجه نحو التدويل وهذه حقيقة لا يمكن لأي كائن من كان إنكارها.

لذا ترى الجميع مرتبك ومنشغل في خلق الأعذار والتبريرات الهروب من استحقاقات المرحلة .

فبعد أكثر من ستة أشهر من الحراك الدموي والعنيف في الشارع السوري ما زال هذا يرمي بأوساخه وعجزه على ذاك وهكذا وكأنه قد حل المشكلة ويخفي نفسه وراء إصبعه ولغاية تاريخه فإن السياسة الكردية ليست بمعارضة ولا هي مولاة ولم تخرج من الإطارات النظرية والنقاشات الخاوية والتحالفات الهشة والتكتيكية والمناورات المشبوهة دون الاقتران بعمل ذو قيمة على الأرض.

وربما قد سلم الكثيرون أمرهم للقدر واختاروا المذلة والخشية ما سوف تخبئه لنا الأيام القادمة من مفاجئات.

هذا الوضع يذكرنا بمحطات شبيهة إلى حد ما من التاريخ الكردي المعاصر ارتأينا إحيائها في صفحة منه يفضل التمعن في قراءتها لا السطحية والاقتران بما يجري الآن*:  

   الزمان 1 شباط عام 1925 ..المكان جبل ﭽاني Çiyayê Çanê الذي يقع شمال غرب ﭽﺒﻘﭽوﺭ Çebeqçûr على الضفة الشمالية لنهر الفرات في شمال غرب موش في منطقة عشائر زازا  zazaفي قرية شيخان ..والمناسبة هو عقد مؤتمر لتنظيم أرزروم والاستعداد للثورة ..

 وقد حضر الاجتماع أعضاء التنظيم من المثقفين والسياسيين وقادات الميليشيات الكردية ورؤساء العشائر وعدد من رجال الدين الوطنيين وبلغ عدد الحضور حوالي /300/ شخصية من مختلف الفئات والنخب الكردية وبكل شرائحها الاجتماعية واستمرت أعمال ذلك المؤتمر ثلاثة أيام بلياليها .لقد ظهر في المؤتمر عدد من الآراء المختلفة والمتناقضة خلال النقاشات الحادة حيث دعا البعض إلى الحوار مع حكومة كمال أتاتورك والسلطات المحلية كلاً في منطقته حتى تزال الظنون والشكوك حول نية حركة التنظيم حتى الصيف القادم كون فصل الشتاء في كردستان قاس وبارد جداً والحركة والتنقل صعب للغاية وكذلك حتى لا تقوم القوات التركية لاستدعاء المزيد من الجنود من أناضول إلى المناطق التي تسيطر عليها قادة الميليشيات وفي ذلك المؤتمر كان الشيخ سعيد بيران حاضراً وهو يستمع إلى أقوال الحاضرين ولم يكن عضواً أساسياً في تنظيم  أرزروم بل كان عضوا فخرياً فيه وبعد الجدال والخلاف وجد أن المؤتمر على وشك التفريق والفشل (كما هي مناقشات مجالسنا الآن )  فقام من مكانه كالليث وتحدث بصوت جهوري ورجولي ونبرة ثوري شاب وقال:” أخوتي من رؤساء الميليشيات المقاتلة وزعماء العشائر والسادة الحضور لقد أظهرتم التراخي والتقاعس في كلماتكم وأبديتم الخوف عما أنتم مقبلون عليه وخيبتم الآمال وزادت الظنون على الثقة فيكم وأنتم تعلمون بعد أن عرف الأتراك نوايانا وما سوف نحن مقدمون عليه فتحاولون خداع أنفسكم ولن تستطيعوا إقناع الأتراك بالأسلوب الذي تفكرون به وكمن يحجب الشمس بالغربال لإخفاء حقيقته فإذا سلمنا أمرنا لكم بهذه السياسة المترددة  التي يفكر بها البعض منكم  سوف يقدم الأتراك إلى ارتكاب المجازر وسيهتكون أعراضكم وشرفكم كما فعلوا بالأرمن وسوف يبقرون بطون صغاركم بحراب البنادق وكيف لكم أن تتهربوا من هذه اللحظة التاريخية ونحن محظوظون أن ننال هذا الشرف بالدفاع عن حقوقنا وبعد أن أعدم رئيس تنظيمكم الجنرال خالد بك جبري Xalid begê cibirî الذي لم يجف دماءه بعد ونائبه يوسف زيا  Y.zîyaألا تخجلون ..؟  وتخافون من هؤلاء المغول الذين أباحوا كل شيء في بلادنا ويفعلون ما يحلو لهم و في عقر داركم فإذا ما تراجعنا عن أهدافنا ودعوتنا فماذا نقول لشعبنا وكيف نرد على أسئلة التاريخ غداً بالرغم أن الشجاعة والبطولة والقتال من خصائصكم.لقد حاربتم أربعة سنوات ضد الجيوش القيصرية في الحرب العالمية الأولى بدون قضية سياسية وهدف ولكن لماذا الآن لا تستطيعون الدفاع عن شرفكم وأنا الآن بينكم رجلاً كبيراً طاعنا في السن تجاوزت السبعين عاماً وفي يدي مسابح وعلى رأسي عمامة رجل دين وأنا الآن أضحي بكل هذا وما عندي من مال وأولاد على طريق خلاص شعبي وها أرمي الآن مسابحي في يدي (سأضع التكية جانباً الآن) وهاتوا بندقية وذخيرة ألف بها جسدي النحيل “وعقب كلامه ألقى عليهم أبيات من أشعار الشاعر الكبير أحمد خانيE.xanê  قائلاً :

ـ بدون الحرب والجدال والإقدام لا تتصوروا هذا العمل…
ـ الأفضل لنا أن نركب الخيل ومعنا السلاح والعتاد (الأحمال) ..
ـ بدون الحرب والجدال والمغامرة لا تتصوروا انجاز هذا العمل..
ـ  أعدوا الشباب وزينوا الخيول والسيوف مشرعة..
ـ لوحوا بالگرز(دبوس)gurz وعلوا الرماح..
ـ هذا هو ظرز (أسلوب) ممو واطلبوا من الأمير.
.ـ إذا أبقيتم على عنادكم وإصراركم سوف نصل بعملنا إلى مرتبة الجهاد ..
ـ وسوف تقوم بوتان بإعداد حلقات الرقص والدبكة
ـ لتأتين الجميلات والحلوات لمشاهدتنا(ذوات الكلام الحلو) ……..إلخ

  بهذه الأبيات الجميلة والحماسية أنهى الشيخ حديثه واستطاع أن يزيل الشكوك ويضع الشجاعة مكان الخوف وزرع روح التقاليد الكردية في نفوسهم من جديد وبعد ذلك دخل المؤتمرون في نقاشات جادة وعملية وبروح مفعم بالحيوية والنشاط ووضعوا نصب أعينهم أهدافاً قومية ووضعوا برنامج عمل سياسي وعسكري للثورة وانتخبوا الشيخ سعيد قائداً للثورة بالإجماع .  فكم أنت بحاجة ماسة وضرورية يا كردو إلى أمثال هؤلاء الرجال الآن وإلى تدخل سريع وإسعافي لفعل شيء ما وبشكل جماعي من خلال قرار جامع ورؤية مشتركة مسئولة  لمجاراة التطورات والمستجدات  التي تجري على الساحة السورية بما يتناسب مع مصالحهم الوطنية كسوريين والقومية ككرد ولا نعتقد أن قائدا سوف يخرج من بيننا بمواصفات وقدرات مدون هذه الصفحة المشرقة ليقود المرحلة لذا على من هو مغرور بذاته ويسعى أن يضع نفسه في المقدمة عليه أن يفكر بروج الجماعة لا بروح التفرد والأنانية حينها يمكن البحث عن مخرج للأزمة …   .

* النص مترجم عن الكردية من مذكرات حسن هشيار
   xkalo58@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس تمعنوا، وفكروا بعمق، قبل صياغة دستور سوريا القادمة. فالشعب السوري، بكل مكوناته، لم يثر لينقلنا من دمار إلى آخر، ولا ليدور في حلقة مفرغة من الخيبات، بل ثار بحثًا عن عدالة مفقودة، وكرامة منهوبة، ودولة لجميع أبنائها، واليوم، وأنتم تقفون على مفترق مصيري، تُظهر الوقائع أنكم تسيرون في ذات الطريق الذي أوصل البلاد إلى الهاوية….

نظام مير محمدي*   بعد الذي حدث في لبنان وسوريا، تتسارع وتيرة الاحداث في المنطقة بصورة ملفتة للنظر ويبدو واضحا وتبعا لذلك إن تغييرا قد طرأ على معادلات القوة في المنطقة وبحسب معطياتها فقد تأثر النظام الإيراني بذلك كثيرا ولاسيما وإنه كان يراهن دوما على قوة دوره وتأثيره في الساحتين اللبنانية والسورية. التغيير الذي حدث في المنطقة، والذي كانت…

عنايت ديكو سوريا وطن محكوم بالشروط لا بالأحلام. سوريا لن تبقى كما يريدها العرب في الوحدة والحرية والاشتراكية وحتى هذا النموذج من الإسلاموية، ولن تصبح دولة كما يحلم بها الكورد، من تحريرٍ وتوحيد للكورد وكوردستان. هذا ليس موقفاً عدمياً، بل قراءة موضوعية في ميزان القوى، ومصارحة مؤلمة للذات الجماعية السورية. فمنذ اندلاع شرارة النزاع السوري، دخلت البلاد في مرحلة إعادة…

محمود برو حين يتحدث البعض عن كوردستان على أنها أربعة أجزاء، ثم يغضون الطرف عن وجود كوردستان الغربية، ويحاولون النقص من حقوق شعبها تحت ذرائع مبرمجة ومرضية للمحتلين ،فهم لا ينكرون الجغرافيا فقط، بل يقصون نضالاً حقيقياً ووجوداً تاريخيا و سياسياً للكورد على أرضهم. إنهم يناقضون انفسهم ويدفعون شعبهم إلى متاهات صعبة الخروج كل ذلك بسبب سيطرة الادلجة السياسية…