هل يضع الكرد حداً للتاريخ..؟

 أمين عمر

كل لحظةٍ هي تاريخٌ ما , تحفظ في سطرٍ في صفحةٍ ما ، تجمع في كُتبٍ تسمى التاريخ.

اللحظات الحاسمة ، اللحظات الثائرة اللحظات الجريئة، لحظات التغيير هي غالباُ ما تبقى منيرة مستنيرة ، يتباهى بها التاريخ ويفرد لها الصفحات، ليتذكر بفخرٍ بطولات دونها وأفراح عاشها ونجاحات خطـّها.

وكي يزيل التاريخ كل شبهة عنه، فأنه يضم أيضاً ملاحم الحزن وبؤس الأمم ، سطوة القادة ونذالة الخونة وهو ما يدونه بهمٍ وخجلٍ  في حديقته الخلفية أو في قبوه وأكياس قمامته، يحفظها على وجه العجل، لحظات لا تذكر إلا للعبرة السيئة والمثال القذر.
للتاريخ، هذا الكائن الذي لا يرحم اللحظات، قصص شتى تروى عن الكرد ، وفي صفحاته الباكية والحزينة والمؤلمة، يحتفظ بحقوقهم التي أهدروها أو المغتصبة كاملةٍ غير منقوصة، يحتفظ بلحظاتٍ وأيامٍ وسنين بائسة، نادرا ما يخطئ التاريخ أو يخطئ الكرد، فيذكرهم في صفحات الانتصار رغم قوتهم وبسالتهم، نادراً ما يذكر صروحهم وعروشهم رغم نبلهم وشجاعتهم وجمال أخلاقهم.


هل التاريخ يحقد على الكرد؟ أم الكرد يسوّغون لها المبررات ويقدمون أنفسهم على طبق من التشتت والفرقة والفشل ، يختارون حبراً داكناً غامقاً غامضاً، لا ينتفع من يقرأ صفحاتهم حكمة، ولا ترى عبرة في سلوكهم ، أسبابه عنادهم وتشتتهم مجهولة، يختارون أمكنتهم البائسة الخائبة والتي غالباً لا يعرفون سواها ملجأ ً.
الكرد غالباً ما يخطئون التوقيت واللحظات ، يحملون الورود أيام الحرب ويختارون الجبال والقتال يوم السياسة والفكر، يقتلون الفكر يوم يكون العلم ضرورة، ضرورة الحي للهواء، يلتفون حول حلقات الفلسفة أيام البندقية ، يسلكون في عصر الأممية، القومية والدين وفي يوم القومية يختارون الدين والأممية، لا يعرفون التوازان والالتزام بين الفكر والعمل والروح معاً.
يزدانشير قائدٌ فذّ ، قبل أن يصبح قائداً ،خان عمه، فهزمت جيوش عمه القائد الكردي أمام العثمانيين، فاستلم يزدانشير القيادة وكان له من القوة ما كان، وبلغ أعداد جيوشه ما بلغ ، فخرج مفتي كردي يدعى الملا خاطي يشبه بوطيَّ اليوم، فخان الكرد، وافتى بترك جيوش يزدانشير وتحريم مقاتلة جيوش الخليفة العثماني ، خليفة الله على الأرض حسب بؤسه، فكانت نهاية يزدانشير.
رؤوساء عشائر وقبائل كردية كانوا يتقدمون الجيش الإيراني للهجوم على جمهورية مهاباد.

وفي الحروب الكردية مع النظام العراقي قصص الجحوش تضاهي أعداد الجيوش.
في سوريا , في الوقت الذي كانت الأحزاب الكردية في طور المراجعة و البناء والحكومة ماضية بتنفيذ مخططاتها، خرج عمال الكردستاني ليخوّن ما تبقى من الشرفاء ويفكك المجتمع وينكر وجود الكرد في سوريا ووضع أهداف وهمية رومانسية تطرب لها العواطف فوجه الكرد صبوها، صوب كردستان الحلم، الذي ستنجز ببندقية سورية وستهزم أعتى الجيوش، ففي اللحظات التي كنا بأمس الحاجة للعلم والبناء أخرج حزب العمال الآلاف من الطلبة من المدارس والجامعات ؟ وما أحوجنا اليوم إليهم, ليزج بهم في حروب على أطراف زاخو و اربيل لتحرير ديار بكر!! ولقنوا شعبنا دروس الحرية والتحرير لتحويلهم من عبودية القبيلة والجماعة إلى عبودية الفرد الذي يدير حروب جبالٍ لم تخُطّها قدماه يوماً، ويعرف عن أوقات الحرب والسلم ما لا يعرفه غيره حتى إنه يتنبأ بأوقات الزلازل حسب بعضهم، واليوم الثورة السورية بحاجة الى كل صرخة، ومع ذلك يتناسى شيعته وأتباعه، من سلم قائدهم إلى الترك ومن قتل معتقلين كرد محسوبين عليهم ومن سلم آخرون لتركيا، ومن ساهم بشكل كبير لإيصال الكرد إلى التشتت والضياع الذي هم فيه الآن .
التاريخ سيذكر أيضاً نقادٌ كردٌ سوريون، كانوا أنصاف نقاد أو أقل، جبناء وهرر في مواجهة أي حزب يُشتـَّم منه رائحة العنف ، وأسودٌ وديناصورات على الأحزاب الكردية المسالمة ، والذي لا ينكر احدٌ بؤسها وفراغ مضمونها.
التاريخ سيذكر قادة أحزابنا جيداً, وسيذكر ندواتهم العلنية المستظلة بدماء الثوار، سيذكر منافساتهم لمكاسبهم الحزبية لا لغيرها، والشعب يضيع حقوقه والتاريخ يكُـتب وهم ملتهون بأمور يخجل التاريخ من ذكرها.
التاريخ لم يغلق الصفحة بعد ولم تنتهي أيامه بعد، وإذا لم ينجح هؤلاء القادة بتقدّم النضال وتوحيد صفوفهم فمكانهم بلا ريب في ما وراء الحديقة الخلفية للتاريخ.

فهل يفعلها الكردي ويفاجئ التاريخ في صفحات أخرى غير الاعتيادية ، ام لدخول صفحات التاريخ دفتر شروط لا يستطيع أبناء جلدتنا إملأه وإيفائه.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…