رضوان شيخو
الحزب هو اتحاد طوعي لناس تجمعهم اهداف ومصالح مشتركة، وهو شكل متقدم من اشكال التنظيم لتحقيق الاهداف المرجوة. ومن المهام الرئيسية للحزب هو توحيد طاقات الجماهير وتوجيهها بما يخدم اهدافها، أي اهداف الجماهير.
هناك مختلف انواع الاحزاب تختلف باختلاف الاهداف والمصالح التي تتشكل من اجلها هذه الاحزاب. فمنها احزاب طبقية تسعى إلى تمثيل وتحقيق مصالح طبقات معينة سواء كانت الطبقة الكادحة او البرجوازية او غيرها.
اما الاحزاب القومية فمن المفروض انها تمثل مصالح قومية معينة والحفاظ على وجودها وضمان مستقبلها. ويفترض ان تحمل هذه الاحزاب مضمونا اخلاقيا وانسانيا عندما تمثل قومية معرضة للاضطهاد والظلم وانكار الوجود. وكثيرا ما تحمل طابع الظلم والاجحاف عندما تمثل القومية السائدة التي تكون موجودة على سدة الحكم في بلد ما وتتنكر لحقوق القوميات الاخرى. اضافة إلى ان مثل هذه الاحزاب القومية قد تحمل طابعا قوميا ديمقراطيا في المجتمعات المتقدمة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، أي ان القومية السائدة لا تربط وجودها بضرورة الغاء وجود الاقليات القومية الاخرى والتعدي على حقوقها.
اما الاحزاب الدينية، التي وان وصلت إلى السلطة بطريقة ديمقراطية في بلد ما، فإنها في الغالب، وبمجرد وصولها إلى السلطة، تقضي على كل مظاهر وجوانب الديمقراطية من اساسها وترفض قبول الآخر المختلف. ومن هنا، وعندما كاد الاخوان المسلمون ان يتسلموا السلطة في الجزائر في التسعينات من القرن الماضي، قالت فيهم الكاتبة الجزائرية الشهيرة احلام مستغانمي ما يلي: (لو خيرت بين الجزائر والديمقراطية لاخترت الجزائر). كذلك يمكن اعتبار حزب العدالة والتنمية في تركيا نموذجا في هذا الصدد.
اما الاحزاب الشمولية والراديكالية، الدينية منها والعلمانية، فتعتمد اسلوب القمع وتفرض سياساتها عنوة على الناس ولا تقبل الرأي الآخر المعارض او النقد او اية محاولات لتصحيح المسار، ولا تؤمن بأي شكل من اشكال الديمقراطية او المشاركة الجماعية في اتخاذ القرارات المصيرية، وغالبا ما تقود اوطانها وشعوبها إلى الكوارث والتشتت والفشل.
وهناك احزاب وطنية تسعى اما إلى تحرير اوطانها من قوى اجنبية محتلة او للحفاظ على استقلال اوطانها وسيادتها ضد اخطار وقوى خارجية تهددها، او بهدف تسيير امور البلاد وتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلد المعني وتحقيق التقدم والازدهار والرفاهية للشعب، في حال كانت هذه الاحزاب صادقة مع شعاراتها ولم تنحرف عن اهدافها وغاياتها المعلنة.
يكون للحزب ضوابط واسس تنظم آلية عمله وصيرورة الحياة الحزبية وهو ما يتمثل بالنظام الداخلي الذي يحدد هيكلية الحزب التنظيمية. ويكون التزام كافة اعضاء الحزب به طوعيا ينبع من التزام ذاتي فردي بهذه الاسس والضوابط. وبخلاف ذلك لن تكون هنالك معنى لحزبية عضو ما طالما انه هو الذي اختار بملء حريته الانتساب إلى هذا الحزب او ذاك.
اما الاهداف التي يعمل الحزب على تحقيقها فتكون مرسومة ببرنامج غالبا ما يطلق عليه اسم (المنهاج السياسي). ويمكن ان يحافظ حزب ما على مصداقيته بمدى التزام الذين يرسمون خطه السياسي والقائمين على شؤونه بالصدق والصراحة والاخلاص في عملهم الحزبي.
هذا ما يترجم في واقع الاحزاب الكردية بمبدأ المركزية الديمقراطية، أي ان قيادة منتخبة من القواعد تبقى قائمة على تسيير دفة الحزب من مؤتمر إلى آخر. والمعروف ان المؤتمر هو اعلى هيئة حزبية يحضره ممثلو كافة التنظيمات الحزبية ويملك كامل الصلاحيات على الصعيدين التنظيمي والسياسي وغيرها.
لكن هذه الامور باتت تنحرف شيئا فشيئا عن مساراتها الصحيحة في السنوات الاخيرة حيث فقدت التنظيمات الحزبية، في ظل الثورة المعلوماتية وتوفر وسائل التواصل الاجتماعي، الكثير من بريقها وفعاليتها وحتى قدسيتها، حيث يمكن لشخص نشط في هذا الميدان ان يقوم بدور منظمة بأكملها.
من الآفات التي تضر بالاحزاب (الثورية) المسلحة مثلا، هو تحول النخب العسكرية والسياسية القائدة إلى طبقة اقتصادية لم يعد يهمها سوى كسب المزيد من الاموال، وبالتالي التشدق بالمناصب واعتبار الحزب شركة استثمارية لجمع الاموال على حساب الاسس والمبادئ التي تأسست من اجلها هذه الاحزاب. ومن هنا كان القول بأن كل ثورة تحمل عوامل فشلها في احشائها.
هذا على صعيد الاحزاب الكبيرة السلطوية منها وحتى شبه السلطوية التي تمتلك قواعد جماهيرية كبيرة وينتشر نفوذها على مناطق جغرافية واسعة.
اما إذا وقفنا على الواقع الحزبي في المناطق الكردية في سورية، نرى بأن هذا العدد المفرط من الاحزاب لا يوجد ما يبرره لا طبقيا ولا اجتماعيا ولا سياسيا، سوى انه يأتي في اطار التشويش وبعثرة القوى والجهود. وذلك يعيدنا إلى تذكر ظاهرة الانشقاقات في الحركة الكردية في سوريا، بحيث ان البعض ينشقون عن احزابهم ومن ثم يبحثون عن المبررات والاسباب فيما بعد.
ان الانقسام تخطى مستوى الاحزاب ليصل إلى مستوى المحاور والجبهات السياسية دون ان تكون لها اسس ايديولوجية او استراتيجية واضحة المعالم. ناهيك عن ظاهرة الخلافات داخل الحزب الواحد حيث تفتك آفة التكتلات التنظيمية وكذلك ظاهرة الاستزلام والمحسوبيات وتفضيل رفيق على آخر ليس بحسب الكفاءات والوعي السياسي والثقافي وعمره النضالي، وانما اعتمادا على نسبة الولاء لهذا القيادي او ذاك. وهذه تعتبر اسوأ واخطر ظاهرة لتدمير الاحزاب وفقد مصداقيتها كأدوات نضالية لتحقيق اهداف انسانية نبيلة، وتحرفها تماما عن مسارها وعن غايات تأسيسها اصلا.
هذه الآفات، التي غالبا ما يكون ابطالها اعضاء قياديون يعملون كأدوات لصالح جهات معينة وبدوافع مختلفة ومتعددة لسنا بصدد ذكرها الآن، يعمدون إلى تسريب الخلافات إلى صفوف القواعد ويؤلبون انصارهم على مخالفيهم لتشويه سمعتهم والنيل منهم بهدف الحفاظ على مناصبهم الحزبية والمكاسب المادية. وهذه الظاهرة تساهم في كشف الاسرار الحزبية وتضرب وحدة الارادة والعمل لدى رفاق القواعد، مما يهدد دور الحزب الجماهيري ويمس ثقله السياسي ومصداقيته في العمل من اجل الشعارات التي يطرحها.