مؤتمر الحسكة… بين خطاب الوحدة وواقع الانقسام

حوران حم

انعقد في مدينة الحسكة مؤتمر “وحدة الموقف” لمكوّنات شمال وشرق سوريا، في مشهد أراد القائمون عليه أن يكون لوحة تعكس التنوع والتكاتف، لكنه في الوقت نفسه كشف عن تصدعات سياسية لا يمكن تجاهلها.

منذ اللحظة الأولى، كان الحضور لافتًا من حيث الشكل: شيوخ العشائر الكردية والعربية جنبًا إلى جنب، شخصيات دينية واجتماعية تمثل المكوّنات الآشورية والكلدانية والتركمانية، قيادات سياسية وخدمية، ورئاسة الإدارة الذاتية، إضافة إلى حضور مميز للمرأة، بما يحمل من رمزية على صعيد الشراكة والمساواة في صنع القرار. حتى رجال الدين البارزون مثل الشيوخ الخزنوي والهجري والغزال، شاركوا عبر الفيديو، مما أعطى المؤتمر بعدًا معنويًا ورسالة مفادها أن الجغرافيا أو المسافات لن تمنع دعم فكرة “وحدة الموقف”.

لكن خلف هذه الصورة الموحّدة، برزت ثغرات كبيرة. فغياب المجلس الوطني الكردي كان مؤشرًا قويًا على أن الانقسام السياسي الكردي ما زال قائمًا، بل وربما تعمّق، في ظل استمرار الخلافات حول شرعية الإدارة الذاتية وطبيعة المشروع السياسي في المنطقة. كما أن الهيئة التفاوضية المنبثقة عن كونفرانس وحدة الصف ووحدة الموقف، والتي كان يفترض أن تكون طرفًا أساسيًا في أي حوار أو صياغة للمواقف، غابت هي الأخرى، ما يطرح تساؤلات عن جدية الالتزام بمخرجات المؤتمرات السابقة، أو عن وجود محاولات لتقليص دورها عمدًا.

على المستوى السياسي، يظهر المؤتمر كمحاولة من الإدارة الذاتية وحلفائها لإعادة ترتيب البيت الداخلي عبر بناء تحالفات أوسع مع المكوّنات غير الكردية، وتثبيت صورة أن المشروع المطروح ليس مشروعًا قوميًا ضيقًا بل إطارًا تعدديًا يشمل الجميع. إلا أن هذه الاستراتيجية، رغم أهميتها في كسب شرعية أوسع، قد تأتي على حساب وحدة الصف الكردي إذا لم تُرفق بخطوات حقيقية نحو الحوار مع الأطراف المغيبة.

في الحسابات المستقبلية، نجاح المؤتمر في تحقيق أهدافه يعتمد على قدرة القائمين عليه على تجاوز عقبة الانقسام، وإقناع الأطراف الغائبة بالانضمام إلى مسار سياسي جامع. أما إذا ظلّ الغياب سياسة مقصودة أو خيارًا مستمرًا، فإن “وحدة الموقف” قد تتحول إلى شعار للاستهلاك الإعلامي، بينما الواقع يزداد انقسامًا.

في النهاية، يمكن القول إن مؤتمر الحسكة حمل رسالتين متناقضتين:

الأولى، أن المكوّنات المختلفة قادرة على الجلوس تحت سقف واحد ومناقشة مستقبل المنطقة.

الثانية، أن التوافق الكردي–الكردي ما زال الحلقة الأضعف، وأن أي مشروع سياسي في شمال وشرق سوريا سيبقى هشًّا ما لم تُحلّ هذه المعضلة.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…