يبدو أن التحركات الدولية الفعلية والجادة قد بدأت أخيرا من أجل إخماد الحريق السوري , والدول والأطراف المعنية قد أخرجت الملف السوري من أدراج الإستخبارات والبورصات والبازارات السرية إلى العلن وإلى الدبلوماسية ولاح في الأفق مشروع إتفاق أمريكي- روسي أعلن عنها وزيرا خارجية البلدين في موسكو بداية مايو الجاري تلاه تأييد أوربي وعربي رافقه على الخط الاًخر زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى الأردن وسوريا وإعلانه عن زيارةٍ مرتقبة لأمير قطر الى ايران… بل وتم الاعلان -على عجل -عن بدء التحضيرات لمؤتمر دولي حول سوريا قبل نهاية الشهر نفسه مادته الاولى مشروع جنيف قبل عام.!
روسيا حققت من خلال الملف السوري غايتها الإستراتيجية في استرداد موقعها الذي فقدته خلال العقدين الماضيين وهو موقع الند والشريك للولايات المتحدة في النزاعات الدولية وفي تقاسم المناطق الحيوية والمصالح عبر العالم .
تركيا ومن خلال مساهمتها في تخريب البنية التحتية السورية وتهريب الاٌلة والخبرات وجذب رؤوس الأموال أمنت لتجارها وصناعييها فرصا إضافية للربح..
وإعادة إعمار الخراب العمراني الحاصل في سوريا سيكون من نصيب شركاتها بإعتبارها الدولة الأقرب جغرافياُ والأكثر إستثمارا في معارضتها السياسية …
دول الخليج العربي التي دفعت بالثورة السورية السلمية باتجاه العسكرة والحرب الطائفية والاهلية نالت غايتها هي الاخرى في جعل الربيع السوري خريفا حزينا وتقديمه نموذجاً دمويا مرعبا لا يحتذى به ابدا لشعوبها هي وبالتالي ستؤمن لأنظمتها السيرورة ولشعوبها سنوات دون ربيع .
إيران الراعية للنظام والمستثمرة من خلاله في مشروع قومي أعجمي بلبوس ديني طائفي أدركت تشعبات وعواقب مشروعها التوسعي و يبدو أنها لن تغامر على ما تبقى لها من موقع إقليمي ولن تحرق كل أوراقها ولن تهدر اموالها اكثر, فتحت رماد شارعها لا زال جمر لم تطفئه السنوات وينتظر الرياح ليشتعل من جديد وإن اشتعلت هذه المرة فستأتي على أخضر النظام نفسه وهذا اخر ما يمكن أن تضحي به دوائر صنع القرار الإيرانية .
لأمريكا وإسرائيل والغرب غاية مشتركة هي إضعاف القدرات السورية وامكاناتها العسكرية والبشرية واختراق ثقافة العنف والعداوة لدى الشعوب السورية تجاه اسرائيل بدفع السوريين لإجراء مقارنة يومية عفوية على مدار اكثر من عامين بين حجم الجريمة التي يرتكبها نظامهم ضد شعبه الأعزل وجرائم اسرائيل المحدودة و الاقل فظاعة بحق الفلسطينيين بغية تجميل صورة اسرائيل في ثقافة وذاكرة الاجيال القادمة وجعلها نموذجا مقبولا لدولة جارة ديمقراطية حضارية تحترم الانسان ….
لن يخرج المؤتمرالدولي المزمع عقده لحل القضية السورية من اطار القوانين والبروتوكولات المعمول بها و لن يكون الحل الدولي حاسما و لصالح طرف بعينه بل سيكون المؤتمر محرجا للمعارضة أكثر من النظام لأنها لا تملك استراتيجية واضحة ولا صورة مفصلة لسوريا المستقبل اضافة الى انقسامها وتشرذمها في الداخل وفي الخارج وبينهما .
قد يكون الحل الدولي في حكومة مؤقتة مشتركة بين النظام والمعارضة واسعة الصلاحيات مع ترك المفاتيح والشيفرات التي تخص العائلة الحاكمة وطاقمها وتضمن سلامتهم في أيدي بشار الاسد وهذا أقصى ما يمكن أن يقبله النطام لكن المعارضة لن ترضى بشراكة النظام كما تصرح وتعلن ولا تقبل بالحوار أصلا الا برحيل الأسد .
الأطراف في الصراع السوري بعيدة كل البعد عن جو وطقوس الحوار والمؤتمرات والصراع المسلح لن يحسم المعركة على الارض ومن الصعوبة صياغة وإيجاد حلول بإرادة سورية لكن مردود الإستثمار الاقليمي والدولي في الموضوع السوري قد بلغ الذروة ولم يعد إطالة أمد الصراع في سوريا لمصلحة أحد حيث يتعاظم التخوف الاقليمي والدولي من انهيار الدولة السورية فيما لو بقي الخيار العسكري وحيدا والفوضى التي قد تنجم عن الانهيار و تعم المنطقة .
لن يقبل الغرب بوجود أوكار للقاعدة بجوار اسرائيل في سوريا ولن تستطيع إيران تحمل المزيد من الأعباء المالية لتمويل النظام ولن تقبل تركيا بدولة غير مستقرة على حدودها الجنوبية حيث تمهد لعبورها الى السوق العربية والخليجية….
سيكون الحل دوليا -كما اعتقد – وسيكون لمصلحة النظام وسيكمل الأسد دورته رئيسا لسوريا و ستتنازل المعارضة عن شروطها المسبقة للحوار تحت الضغوط الدولية لكن السؤال الأهم هو من سيمثل الشعب السوري الذي فجر ثورة الحرية والكرامة في المحافل التي ستنعقد لاحقا ؟
أمناء المعارضة المشتتون في الخارج ؟
أم اأمراء الحرب المتناحرون في الداخل؟