اللجنة الوطنية للتحقيق في مجازر الساحل تدق آخر مسمار في مصداقية سلطة الشرع وحاشيته

إبراهيم اليوسف

أخيراً، وبعد طوال انتظار، كشفت اللجنة الوطنية للتحقيق في مجازر الساحل عن تقريرها الذي جاء كطلقة باردة في صدر العدالة، وفي أبشع صورة ترقى إلى محاكم طغاة دمشق، السابقين على السيد أحمد الشرع، إذ لم يحمل من شروط العدالة والقانون والضمير والإنصاف سوى قشرة ملساء تخفي تحتها قبح التواطؤ، وتضليل الحقائق، ومحاولة ترميم ما لا يمكن ترميمه من مصداقية سلطة الشرع وحاشيته.

تقديم هذه اللجنة لمحكمة مستقلة تحت إشراف أممي مباشر بات واجباً لا رجعة فيه، لأن ما صدر عنها لا يرقى إلى أي مستوى أخلاقي أو قانوني.  إذ إن التقرير بدا وكأنه محاولة لتبرئة قادة الفصائل من مسؤوليتهم المباشرة، على الرغم من أن الفيديوهات المتداولة- في أقل تقدير- تظهرهم بوضوح، يقتادون الضحايا، ويصدرون الأوامر، ويشرفون على تنفيذ المجازر.

لم يُعلن عن تقديم أي من هؤلاء إلى المحاكم، ولم نسمع عن توقيف واحد من قادتهم. فلا مذكرات توقيف، ولا جلسات محاسبة علنية، ولا إجراءات قضائية، ما يكشف أن اللجنة كانت أداة سياسية رخيصة لتبييض وجوه الغارقين والوالغين في الدم، لا لكشف الجناة، وتطبيق العدالة لاسيما إن حكام دمشق استولوا على كرسي السلة كامتداد لشريعة إسلامية لقضاتها المنصفين قصص من تاريخهم الناصع. أما رأس السلطة المؤقتة، فلا يمكن فصله عن هذه الجريمة. فحين وقعت المجازر، لم يُدن، لم يوقف مايتم، لم يتحرك، بل بدا أميل إلى القتلة، عبر أول تصريح له، قبل أن يظهر بعد فوات الوقت كمن يملي على اللجنة مخرجاً ناعماً لمأساة دامية، ولا يخفى على أحد أنه ممن توحموا على السلطة التي آلت إليه عبر بطاقة يانصيب، وهو الذي يلزمه ربع قرن من إعادة التأهيل ليكون مجرد مواطن سوري صالح.

مسؤوليته في هذه المجازر وما تمخض عن لجنة تحقيقه المزيفة لا تتوقف عند الصمت، بل تتجاوزه إلى التغطية، والموافقة الضمنية، بل إنه كان يدرك سلفاً سير عمل اللجنة المملى عليها، بطريقة لا يمكن أن يسكت عنها المواطن السوري، ماعدا من قبل أن يكون مع ميليشيات الإرهاب: قاتلاً أو مسوغاً لجرائمه. إن من يقدم نفسه رئيساً للجمهورية، ويتولى منصب القائد العام، يُسأل عن كل قطرة دم، وكل جريمة ترتكبها قوات تتبع لما تُسمى وزارة الدفاع. السلطة التي استطاعت وقف التدهور في السويداء خلال ساعات، كان يمكنها أن تفعل الشيء ذاته في الساحل، لكنها لم تفعل، وهو ما يكشف أن القرار لم يكن خارج يديها.

التقرير سقط قانونياً منذ أول تعاريج وأثر قطرات حبره المزورة على الورق.  فهو لم يحمِّل المسؤولية لأصحاب القرار، بل انشغل بتسويغ الأفعال، وتمييع الوقائع، وتغليف الجريمة بغلاف الظروف، متجاهلاً القوانين الدولية التي تُجرّم كل من يعلم بوقوع جريمة ولا يتحرك لوقفها.  باعتبار أن مبدأ “المسؤولية القيادية” قد غيب عمداً، ما يُعد تزويراً قانونياً مكشوفاً.

أما الأدلة المرئية، من فيديوهات وصور واعترافات منشورة، فلم يتم اعتمادها بشكل قانوني. كما ولم تُعرض على خبراء، ولم تُحلل، ولم تُطابق مع الأسماء، بل جرى طمسها كما لو أنها أدلة لابد من تهميشها لإنجاح مهمة اللجنة المأجورة، فلا وثائق حاسمة البتة، لأن تجاهلها بهذا الشكل الممنهج يُعد اشتراكاً في حجب الحقيقة، لا حياداً قضائياً. من هنا، فإن اللجنة لم تعكس اعترافات الناجين، ولا  مشاهدات أهالي الضحايا.  كما لم تُفتح جلساتها علناً، ولم يُسمح للمراقبين المستقلين بالاطلاع على حيثيات التحقيق. فما صدر عنها، إذاً، ليس تقريراً، بل بياناً سياسياً هدفه تهدئة السخط، لا إنصاف الضحايا، وتشجيع إرهابيي الفصائل على استمراء المجازر واحدة تلو الأخرى، وهذا ما يؤكد أن الحل لن يأتي من لجنة محلية شكلها الطرف المتهم نفسه.  بل إن العدالة تبدأ بلجنة أممية نزيهة تعمل ميدانياً، تُعيد فتح الملف كاملاً، وتعتقل جميع قادة الفصائل المتورطين، وتحاسبهم فرداً فرداً، بدءاً ممن أمر ونفّذ، وصولاً إلى من صمت وبارك.

كل جملة. كل عبارة. كل كلمة وكل رقم  في هذا التقرير صفعة في وجه العدالة، وكل تقرير لم يكتب فيه اسم القاتل هو خنجر جديد في صدر من قُتل، وبات واضحاً لكل سوري حر أن آخر مسمار دُقّ في نعش مصداقية الشرع وحاشيته كان هذا التقرير المزور نفسه. أما الحقيقة، فلا تزال تُقاوم بين أكفّ المكلومين، وصور الأبرياء، وأصوات الأمهات الثكالى  التي ستظل تلاحق الجناة الإرهابيين أينما كانوا.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…