الفجر الفدرالي: نهاية لزمن التوحّش

ياسر بادلي
آن أوان الحقيقة… وساعة الحساب تقترب.
لقد تجاوزت حكومة الإقصاء والتهميش كل الحدود، حين جعلت من التفرقة مذهبًا، ومن الاستبداد رايةً، فمارست القمع باسم وحدة مصطنعة، وأقصت المكونات الأصيلة التي شكّلت نسيج هذا الوطن، المتنوع روحًا، المتماسك قلبًا.في مسلسلٍ دامٍ لم تُكتب فصوله الأخيرة بعد، كانت الدماء الأولى التي أُريقت هي دماء الإخوة العلويين، الذين دفعوا الثمن مضاعفًا، ضحايا بين مطرقة النظام وسندان التطرف. ثم توجّه الفكر الظلامي ذاته نحو المسيحيين المسالمين وكنائسهم، أولئك الذين لطالما كانوا صوت النور والرجاء في تاريخ سوريا الطويل.
وقبلهم، تم تهجير الكُرد من عفرين وسري كانيه وتل أبيض، حيث اقتُلعت أكثر من مليون روح من أرضها، وصودرت أموالهم وممتلكاتهم، في انتهاكات ممنهجة .

واليوم، تتكرر المأساة في السويداء، أرض الكرامة والعنفوان، حيث تُغزى عنوة، وتُرتكب مجازر بحق أبنائها من الموحدين الدروز، على يد عناصر الجولاني وبعض العشائر الموالية له، ممن رهنوا الأرض والعرض للمشروع المتطرف المأجور.

إن ما ارتُكب من جرائم بحق المدنيين، وبحق التنوع السوري الأصيل، لم يعد يمكن السكوت عليه. لم تعد هناك خيارات سوى الدفاع عن النفس، والدفاع عن الحق، دفاع الأحرار عن وجودهم وكرامتهم.
وعلى المجتمع الدولي أن يفتح عينيه. فالصمت صار تواطؤًا، واللامبالاة خيانة. وإن لم يُحاسب هذا المتطرف المستبد، فإن الأرض ستصرخ، والسماء ستشهد، ولسوريا كلمتها القادمة: مدوية، مفاجئة، وغارقة في عدل طال انتظاره.

لكن النداء لم يعد كافيًا. آن الأوان للخطوة الجريئة، للموقف الحاسم.
يجب محاسبة هذا الجهادي المتطرف، ومن يقف خلفه من حلفاء الداخل والخارج. ويجب عزله عن المشهد السوري، وتسليم زمام المرحلة القادمة إلى قوى مدنية علمانية، تنطلق من مبدأ المواطنة، لا الميليشيات، وتؤمن بالدولة، لا بالغنيمة.
ولأن سوريا المتنوعة لا تُحكم بعقلية المركزية القسرية، فإن الحل الحقيقي يكمن في إقامة نظام فدرالي، يضمن لكل مكون حقه الكامل في تقرير شؤونه المحلية، ضمن دولة موحدة في السيادة، متعددة في الهوية والتمثيل.
نحن بحاجة إلى دستور فدرالي عصري، لا يُقصي أحدًا، ويمنع العودة إلى دورات الدم والتهميش، ويضمن عدالة توزيع السلطة والثروة، ويصون كرامة الجميع بلا استثناء.
سوريا لا تموت. سوريا تنهض من الرماد.
وسينتصر فيها صوت الحياة على صمت القبور،
ويكتب أبناؤها فجرًا جديدًا…
لا يُقصى فيه أحد، ولا تُزهق فيه روحٌ ظلمًا.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…