اكرم حسين
في صمت الجبال الشاهقة، اصطفّوا واحداً تلو الآخر، وجوههم مسفوحة بالرياح والحنين، وقلوبهم تضجّ بمشاعر الحب والفراق . خمسة عشر رجلاً، ومثلهم من النساء اللواتي خضن الموت مراراً دون أن يطرف لهنَّ جفن، ينتظرون أدوارهم الأخيرة في طقس رمزي أشبه بالفراق الأبدي.
ليسوا جنوداً عاديين، بل عشاقاً لحلمٍ اسمه كردستان. لم يعرفوا البيوت، ولا استكانوا لعائلة أو دفء، حضن الجبال وطنهم، والبندقية رفيقة دربهم ، تقتسم الخبز والخوف، والحلم والعزلة…
الوعاء المعدني في وسط الساحة يشبه محرقة صامتة. لم يكن مجرد مكان لوضع الأسلحة، بل مزاراً ودّعوا فيه جزءاً من أرواحهم. بخطى متثاقلة اقتربوا ، لا من التعب، بل من ثقل الحدث ، وضعوا بنادقهم بخشوع واحترام، كما لو كانوا يضعون قلباً ينبض، لا قطعة حديد.
اشتعلت النيران، بدأ الدخان يتصاعد ببطء. في أعين بعضهم دمعة محتبسة، وفي قلوبهم غضب ونبل وارتباك. هل انتهت الحرب؟ أم بدأت حربٌ من نوع آخر؟ نظروا إلى اللهب، كأنهم يسترجعون سنوات الكفاح في الوديان، الليالي الباردة، الأناشيد الحزينة، وجنازات الرفاق الذين لم تُعرف لهم قبور….؟
لم يصرخ أحد، لم يبكِ أحد، لكن الهواء كان مشبعاً بأصوات غريبة تهدر في صمت:
“أهذا ما نذرنا حياتنا له؟ أهذا هو الثمن؟”
ثم، غادروا… بخطوات هادئة، تعلوها وقار المقاتلين القدامى. خلفوا وراءهم الوعاء ، وقد التهمت النيران ما تبقى من ماضيهم، وتركوا قلوبهم تحترق، من شدة الحب….!
كانوا يعلمون أن الحلم لم ينتهِ، لكنه الآن يسلك درباً جديداً — درباً لا تُسند فيه الأكتاف إلى البنادق، بل إلى الأمل، وإلى الشعوب التي تنام وتصحو على صوت الحرية الآتي من رماد البنادق….!