أحمد عبدالقادر محمود
يُستدلُّ على النار بدخانه ، كما يُعرف الموضوع من عنوانه ، بعد أن استتب الأمرمؤقتاً !؟ في سوريا للجولاني و إخوانه كانت باكورة الأعمال هو حل جميع ما يمت بصلة لسوريا السابقة الفارطة
مما يشير لبناءٍ جديدٍ لسوريا الجديدة ، بناءً يتناسب مع تطلعات الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه ، الشعب الذي خسر كل شيء إلاَّ الأمل بغدٍ يُنسيه الكوارث التي ألمت به ، لكنه استفاق على كارثة لم تكن بالحسبان ، كارثة قلبت أبيضه لأسود ، حوّلت الفرح بسقوط النظام الكارثي لتّرح ، وجد نفسه أمام معضلة نسفت يقظته ، فالحكام الجدد لسوريا هم كائناتٌ ما قبل ظهور الرجل العاقل (الهموسابينس) ، بدأً من الشكل و مروراً بالممارسة ، والحال هذه كان لا بد من إيجاد سدودٍ في وجه هؤلاء كالسد الذي بُنِي أمام أنتشار ياجوج وماجوج ، كما تروي الأسطورة .
كان الاجتهاد منصباً على شكل السدود الوقائية أمام هذا القادم الجديد الذي يحملُ تصوراتٍ للشكل الذي يريد أن تكون عليه سوريا التي تخصهم ، فكانت أطروحات ( الفيدرالية ، اللامركزية ، الحكم الذاتي …. إلخ ) هي السدود الضامنة للبقاء على قيد الحياة في سوريا الواحدة الموحدة ، وهي الحل الأمثل كما رأوا للعيش و الإستمرار فيما هم عليه .
ولكنهم وجدوا أنفسهم أمام معضلة أخرى و هي رفض القادمين الجدد لكل هذه الحلول بذريعة كلنا أخوة و لا فرق بين عربي و عجمي إلا بالتقوى !؟ ، و سوريا للكل ، و الكل لسوريا
كلام جميل ، ارموا بياضكم ؟ ، النتيجة كانت إقصاء جميع المكونات أو ما يسمى بعرفهم مجتمع الأقليات من كل ما من شأنه تشكيل سوريا الجديدة على أسس بناء الدول الحديثة التي تتبنى الحرية و الديمقراطية و العيش المشترك ، من هذه الأقليات ، المكون الكردي الذي هو موضوع المقالة ، استبشر الكرد خيراً بعد عقود من الظلم و التهميش و الإقصاء ، و أعدوا العدة لرفع الحيف عن أنفسهم ، واستنشاق هواء الحرية و الديمقراطية ، و على عجلٍ أرادوا تحقيق هذه المكاسب عن طريق القادمون الجدد القابعين في دمشق ، متكئين على التأييد والمؤازرة الخارجية المتضامنة مع حقوقهم ، كالأمريكان و الفرنسيين و من لف لفهم ، فقيل لهم أذهبوا أولاً توحّدوا و ووحدوا مطالبكم ، ففوجئوا بإتفاق بين أمير القادمين الجدد الجولاني و بين أمير قواتٍ مشكلة من خليط من القوميات مسيطرة على كامل جغرافية شمال وشرق نهر الفرات مظلوم عبدى قائد قوات سورية الديمقراطية ( قسد ) القوات الحليفة لقوات التحالف الدولي في محاربة داعش ، يا للسخرية !؟
بنود هذا الإتفاق خالية من أي حقوقٍ قومية للكرد إلا التعريف به ، مقتصرة تماماً على كيفية الإنخراط مع حكم القادمين الجدد ، هذه الاتفاقية التي أخرجت الكرد من المعادلة كمكون شريك في سوريا الجديدة ، اعترضت بعض الأطراف الكردية على مخرجات هذه الإتفاقية ، فقيل لهم : شكلوا وفداً كردياً يتحدث بأسم الكرد و اذهبوا لدمشق عاصمة القادمين الجدد ، واطرحوا رؤاكم ،أنطلت عليهم اللعبة و مازلوا حتى كتابة هذه المقالة على أعتاب ردٍ من القادمين الجدد باستقبالهم ، و هم بالانتظارتفاجئوا و بضغطٍ من أمريكا وفرنسا بوجوب اللقاء بين أطراف إتفاق 10 آذار لتنفيذ بنود الإتفاق المعطلة ، بحضور و رعاية المبعوث الأمريكي لسوريا توم برّاك ، عُقد اللقاء و من أهم مخرجاته تصريحات المبعوث توم براك ، التصريح الذي كشف الرؤية الأمريكية الحقيقة وما تريده من القادمين الجدد إنجازه في سوريا والتي ألخصها بما يلي :
1- المطلوب من الجولاني إملاءً العمل عل خطواتٍ من شأنها إيقاف القلاقل داخل سوريا و فرض الإستقرار النسبي على الجغرافيا التي يسيطر عليها وبالتالي تبريد سوريا داخليا في أسرع وقت ، كي يضمنوا عدم عودة إيران إليها من بوابة الفوضى بعد أن تم تنظيف سوريا منها و من بقاياها ، الأخطبوط الذي بُترت أذرعه و لكن لا ضمانة لعدم نمو أذرعه من جديد ، و هذا مطلبٌ إسرائيليٍ أمريكي مشترك ، لذا لا استغراب من رفع هيئة تحرير الشام من لوائح الإرهاب و تجميد العقوبات الأقتصادية سواء على المؤسسات أو الأفراد ، و هذا مغزى قول توم براك في تصريحه رداً على سؤال مراسلة قناة رووداو : ما هو موقف أمريكا من الحكم الذاتي للكرد السوريين ؟ ك يف، أجاب : لا يمكنك أن تملك كيانات مستقلة ليست دولاً داخل دولة واحدة. لذا، فإن هذا يحتاج إلى وقت كي يتأقلم الجميع، خاصة بعد كل السنوات من النشاط الرهيب الذي مرّت به سوريا، الأمر يحتاج إلى وقت للتكيّف. لكن الوقت بدأ ينفد، فالعالم يتحرك بسرعة، والمنطقة بسرعة كبيرة. انظري إلى ما حدث في الأسابيع الثلاثة الماضية، إنه أمر مذهل. لذا، فإن الفرصة هي الآن. بالنسبة لسوريا، الفرصة هي الآن. العالم يريد أن يساعد، والجميع يتنافس. علينا فقط أن نستغل هذه الفرصة. ليس علينا الاستسلام لشيء ما، بل علينا أن نصل إلى استنتاج: أمة واحدة، شعب واحد، جيش واحد، سوريا واحدة. و كأنه يقول : أيها الكرد قضيتكم الأن لا تهمنا ، الوقت ليس وقتكم ، و هذا متناغم مع ما صرّح به دونالد ترامب في ولايته الأولى ، عندما قال : لم نوعد الكرد بشىءٍ يخص الملف السياسي ، هم فقط جنودٌ يعملون بأجر في محاربة داعش .
2- ما يخص مشروع الإدارة الذاتية و قيادتها الكردية ، عبّر عنه أيضاً توم براك في رده على السؤال الأول لمراسلة قناة رووداو ، كيف تقيمون العلاقة بين قوات سوريا الديمقراطية و بين حكومة دمشق ؟
أجاب :رأيي في العلاقة بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية هو أن الحكومة السورية كانت متحمسة بشكل لا يُصدّق في محاولة ضم قوات سوريا الديمقراطية إلى ما تحدثنا عنه بالضبط: دولة واحدة، أمة واحدة، جيش واحد، حكومة واحدة. وتفاصيل كيفية تحقيق ذلك ، أعتقد أن الحكومة السورية كانت جيدة جداً وسخية في سعيها لإيجاد طريقة لتوحيد هذه المصالح. وبصراحة تامة، أرى أن قوات سوريا الديمقراطية كانت بطيئة في القبول والتفاوض والمضي قدماً نحو ذلك. ونصيحتي لهم هي أن يسرعوا؛ فهناك طريق واحد فقط، وهذا الطريق يؤدي إلى دمشق. وهذه هي الرسالة.
نعم هذه هي الرسالة !؟ لا تحلموا كثيراً ، لا شأن لنا بحلمكم ، خصوصيتكم لا تهمنا ، عليكم بدمشق إن أعطوكم أعطوكم و إن منعوكم منعوكم !؟
الجدير بالقول في الخاتمة ، هذه المرحلة وفق الرؤية الأمريكية ، ليست مرحلة إسترداد الحقوق لإصحابها ، وليست هي المرحلة للنظر في المظالم ، إنما هي مرحلة تنظيف ما يعيق المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة ، لذا على الكرد تفهم هذه الحقيقة وعليهم أيضاً إدراك أن قسد لا تعمل وفق أجندة المطالب الكردية ، مشروعها مختلف وإن كان مغلفاً بشخصيات] كردية ، و عليهم الإقرار بأن القادمين الجدد الحاكمين في دمشق ليس في عقيدتهم حقوق لأحد سوى لمشروعهم ، وما استئثارهم بالسلطة بشكل منفرد إلا وسيلة لتحقيق ما هو مطلوبٌ منهم من قِبل من أتى بهم .
هولير