علي ملا
في بيان جديد نقلته وكالة سانا، خرجت الحكومة السورية لتؤكد ما تسميه “التمسك بوحدة سوريا، وجيش واحد، وحكومة واحدة”، في معرض الحديث عن مستقبل العلاقة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ومصير شمال شرق سوريا.
ظاهريًا، يحمل الخطاب لغة وطنية موحدة، لكنه عند التأمل يُظهر إصرارًا على العودة إلى منطق الإقصاء والتهميش، لا إلى مفهوم الشراكة الوطنية الحقيقية.
الوحدة المفروضة ليست وحدة وطنية
حين تُطرح الوحدة في سياق رفض أي شكل من أشكال الفدرالية أو اللامركزية، فإن الحديث لا يكون عن وحدة طوعية متكافئة، بل عن مركزية تفرض نفسها بالقوة أو عبر الضغوط، وهي الصيغة ذاتها التي ولّدت أزمات سوريا منذ عقود.
الذين يختزلون الفدرالية في “التقسيم” يرفضون أن يعترفوا بأن اللامركزية السياسية والإدارية هي ركيزة للاستقرار في المجتمعات المتنوعة، خصوصًا حين تكون شعوب مثل الكرد قد دفعت ثمناً باهظاً للحفاظ على وحدة البلاد في وجه الإرهاب، وساهمت في حماية مناطقها ومكونات سوريا كافة.
دعوات “الانضمام” تحت سقف الجيش الواحد
حين تقول دمشق إنها “ترحب بانضمام مقاتلي قسد إلى الجيش” ضمن الأطر الدستورية، فإنها تفترض مسبقًا أن على الآخرين الذوبان في مؤسسات لم تتغير لا شكلًا ولا مضمونًا. هل المطلوب العودة إلى جهاز عسكري أُسس على الولاء السياسي، وغاب عنه أي تمثيل حقيقي للمكونات؟
أم أن اللحظة تتطلب بناء جيش وطني جديد، جامع، يعكس روح التعدد السوري، لا يُبقي الكرد وغيرهم مجرد توابع في هامش المشهد؟
رفض الفدرالية… والخوف من الاعتراف بالآخر
تكرار الخطاب الرسمي لعبارات “رفض الفدرلة” لا ينبع من حرص على وحدة البلاد بقدر ما ينبع من خوف سياسي عميق من الاعتراف بوجود شركاء حقيقيين، لهم حقوق سياسية وقومية وإدارية.
والأخطر من ذلك، هو أن هذا الرفض لا يقابله أي مشروع بديل واقعي لإدارة التنوع السوري، ما يعكس تمسك النظام بذهنية ما قبل 2011 وكأن شيئًا لم يتغير.
الكرد ليسوا “مكوّنًا” بل شريكًا في صياغة الحل
الحديث عن “المكوّن الكردي” بهذه الطريقة الاختزالية لا يليق بحقيقة دور الكرد في سوريا. نحن لا نطلب امتيازات، بل شراكة في القرار، وعدالة في الدستور، واعترافًا صريحًا بحقوقنا القومية، ضمن سوريا ديمقراطية لا مركزية.
الكرد ليسوا طرفًا في “خروج عن الدولة”، بل هم طرف في مشروع وطني بديل يضمن كرامة الجميع، ويضع حداً لعقود من التهميش والإقصاء.
بين خطاب الشكر لأمريكا وتحذيرات التأخير
من المثير للاهتمام أن بيان دمشق لم ينسَ توجيه الشكر للولايات المتحدة على دورها، وهو ما يكشف أن هناك رغبة في فتح مسار تفاوضي حقيقي، لكنها رغبة مشروطة، مقيّدة، قائمة على فكرة استيعاب الآخر لا التفاهم معه.
كما أن “التحذير من تأخير الاتفاقات” يُظهر سعيًا للضغط، لا للحوار، وكأن دمشق ترفض مجرد النقاش حول شكل الدولة المقبلة
في الختام:
إذا أرادت دمشق الحفاظ على وحدة سوريا الحقيقية، فعليها أولًا أن تُعيد تعريف معنى هذه الوحدة. ليست الوحدة أن يتنازل الجميع عن خصوصياتهم، بل أن يُعاد بناء الدولة على أسس جديدة: لا مركزية، ديمقراطية، اعتراف متبادل، وشراكة متكافئة.
وما لم يحدث ذلك، فإن كل “دعوة للانخراط” ستبقى مجرد محاولة لطلاء الجدران القديمة بألوان جديدة