صلاح بدرالدين
احترام خصوصيات كل جزء
بداية لابد من التأكيد على مسلمة تحولت الى مبدأ يلتزم به معظم اطراف الحركة الكردية السياسية الجادة، وهو ان لكل جزء من كردستان الموزعة بين الدول الاربع له ظروفه التاريخية، والاجتماعية، والاقتصادية الخاصة به، وينعكس ذلك على خصوصية حركته السياسية، ووسائل واشكال نضالها، واهدافها القريبة والبعيدة، ومن هذا المنطلق فان ما يحدث الان بين زعيم – ب ك ك – وبين الحكومة التركية شان داخلي ما دامت القضايا المطروحة لا تتعدى حدود تركيا، ولكن من الواضح وبسبب تدخلات – ب ك ك – في شؤون الاجزاء الاخرى، وفرض تنظيمات كبدائل للحركات الكردية، وممارسة العنف والتهديد ضد كرد الاجزاء الاخرى، والتحالف مع انظمة المنطقة المستبدة وبينها من تضطهد الكرد، وتحوله الى طرف ضد النضال الوطني الكردي، فلا شك ان الحالة هذه تقتضي ضرورة التصدي، بل رفع الصوت عاليا.
هل هي مراجعة ام تراجع؟
اذا كان مؤسس هذا الحزب، ورمزه السيد – عبدالله اوجلان – بصدد ممارسة النقد الذاتي، ومراجعة خمسين عاما من وجوده بكل افعاله، ونشاطاته العسكرية، ومواقفه، ذات الصلة بالدولة التركية مثل اعلان الفشل في تحقيق الاهداف، وحل حزبه، والقاء السلاح، وطوي شعار اسقاط النظام والمصالحة معه بمقابل او بدونه، فهذا من شانه، ونعتبر الاساسي منها صحوة ولومة متاخرة خاصة في مجال الاعتراف بالفشل، وانتهاء الدور، والعجز عن انجاز اي حل للقضية الكردية في بلد يضم اكثر من نصف الكرد بالعالم.
موضوعة مبدأ حق تقرير مصير الشعوب
هذا المبدأ السامي الذي استندت اليه هيئة الامم المتحدة لتحرر الشعوب، وقيام الدول المستقلة، والذي اصبح جزء من التراث الانساني في احترام حقوق الانسان والشعوب، وما زال هدفا لكل شعب يرزح تحت نير الاضطهاد القومي، والعنصري، وكان بمثابة سلاح فكري ثقافي لشعوبنا وبينها شعبنا السوري خلال مرحلة مواجهة الاستعمار والانتداب، وهو يشغل المكانة الاساسية في مشروع الحركة الكردية في كل مكان، ومبدأ حق تقرير المصير بالنسبة لنا ككرد سوريين يعني ان يقرر الكرد مصيرهم الاداري والسياسي ضمن سوريا التعددية الواحدة الموحدة حيث هناك صيغ عديدة لهذا المبدأ، وخيارنا هو تحقيق الصيغة المناسبة ضمن الوطن الواحد، وعلى قاعدة التوافق الوطني، لذلك نستهجن موقف السيد اوجلان من هذا المبدأ، الذي لن ينال من الكرد في كل مكان وكذلك من وطنيي وديموقراطيي شعوب المنطقة سوى الادانة.
المراجعة المبتورة
المراجعة بهذا القدر ليس كافيا، كان على مؤسس ب ك ك الذي منح لنفسه كل الصلاحيات، واتاح لانتشار ما يشبه عبادة الفرد، ان يصارح الجميع بمسؤوليته الشخصية التاريخية في تشكيل هذا الحزب – العسكريتاري – وقيادته بشكل فردي استقواء بنظام الاسد المقبور، ومن ثم النظام الايراني، والذي جسد لاكثر من نصف قرن نهج التيار المغامر داخل الساحة الكردية ليس في تركيا فحسب، بل في سوريا، والعراق، وايران، وحتى في بلدان الانتشار الكردي، وفي اشعال الفتن، والمواجهات في الوسط الكردي، والاقدام على التصفيات الجسدية لالاف المخالفين له، وفرض الخوة والاتاوات بكل السبل لجمع مئات الملايين من الدولارات.
كان عليه بالاضافة الى ما تقدم ادانة الممارسات المسيئة خلال خمسين عاما في التعامل الاجتماعي والثقافي، على صعيد الحياة العائلية في المجتمع الكردي بتركيا وخارجها، بتفكيك العائلة، واثارة الفتن داخلها، وتشجيع القصر خصوصا من النساء للهروب من الخيمة العائلية التي تتلقى منها التربية، والتاهيل، والالتحاق بمجموعات قتالية في الكهوف، وفي بيئات اخرى غريبة، لممارسة القتل بدل التعليم والتربية، لانه من الواضح ان اي شعب معرض للاضطهاد، والتمثلية القومية تشكل العائلة المتماسكة فيها المتراس الاول للدفاع، والحفاظ على الموروث الثقافي الاجتماعي التاريخي.
كان عليه الاعتراف بخطيئة التعامل مع الانظمة الدكتاتورية، والمستبدة المعادية للكرد وحقوقهم المشروعة مثل نظام الاسد المقبور، ونظام ايران، ونظام صدام المقبور، والكشف عن كل اسرار الصفقات، والتواطؤ والتي كانت موجهة للحركة الكردية في تلك البلدان، وكذلك الحركات الديموقراطية المعارضة لدى شعوبها.
كان عليه ادانة اشكال ووسائل تعامل حزبه مع اطراف وتعبيرات الحركة السياسية الكردية التي لم تخضع لحزبه في تركيا، وسوريا، والعراق، وايران، ونزعته العدائية في الحلول محلها، وانكار تاريخها، انجازاتها، وتخوين من يختلف معه، والاعتراف بما اقترفوه تجاه مناضلي تلك الاجزاء، كل ذلك خدمة للحقيقة ومن اجل تحقيق العدالة.
التيار المغامر
كان تقييمنا منذ ظهور ب ك ك انه تيار خرج من رحم الانظمة الاقليمية المقسمة للكرد، وسلم مصيره وحزبه لال الاسد وتحول ظهيرا لنظامه واداة لخدمة نفوذه، وكنا نعتبره خارجا عن الخط التاريخي للحركة التحررية في كردستان تركيا، ومناقضا لتقاليدها الديموقراطية.
هل سقط القناع؟
ليست مصادفة ان يتزامن لقاء وفد “حزب المساواة وديموقراطية الشعوب – دم بارتي – وهو الفرع المدني ل ب ك ك والحائز على ثقة المؤسس مع الرئيس التركي – رجب طيب اردوغان -، مع لقاء وفد – قسد – والمسميات الاخرى، وهو التنظيم السوري لحزب – ب ك ك – مع الرئيس السوري – احمد الشرع -، ولكن ما هو معبر ومثير ان الوفدين لم يقابلا رئيسي البلدين ليقدما لهما خارطة طريق لحل القضية الكردية بشكل عادل في اطار وحدة البلدين، بل ان الوفد الاول حمل معه راس الحزب القائد وتقديم الاعتذار على كل ما ارتكبه خلال خمسين عاما، ومن اجل الاستجابة لمقولة – اردوغان – لا ارهاب بعد اليوم في تركيا، اما الوفد الاخر فمطلوب منه الاستجابة لمتطلبات تسليم السلاح وحل تشكيلاته العسكرية ليتم دمجها بالجيش الوطني السوري الجديد، وتسليم مقدرات منطقة – شمال شرق سوريا – الاقتصادية، والادارية للدولة، والذي كما اشار السفير والمبعوث الامريكي – باراك – الى تباطؤه، وما عليه الا الاسراع فليس في سوريا سوى نظام واحد وجيش واحد، وادارة واحدة، والملاحظ انه لم يشر من قريب او بعيد الى القضية الكردية السورية.
خيار الحل الوطني
نعود لنؤكد من جديد لكل الاطراف المحلية، والوطنية، والخارجية، وخاصة للاخوة في الادارة الانتقالية، والسيد رئيس البلاد ان الطريق الاسلم لايجاد حل عادل، وواقعي، ومستدام للقضية الكردية السورية يمر من خلال عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع في دمشق، ليقر المشروع الكردي للسلام، وينتخب من يمثل الكرد الوطنيين الذين كانوا مع الثورة، والحل النهائي يجب ان يكون وطنيا.