حين يُولد الطفل في رماد الحريق فماذا تبقّى من الإنسانية

ياسر بادلي

في عفرين، تلك المدينة الكردية التي كانت تنام بين تلال الزيتون وتستيقظ على نسمات الجبال، حلّ الظلام. لم يكن ليلًا عاديًا، بل سوادٌ صنعته أيادي الغدر، وسكوت العالم، وقلوب لا تعرف الرحمة.

بأي ذنبٍ نُفي هؤلاء الأبرياء؟
بأي ذنبٍ صار الطفل قبرًا قبل أن يُصبح اسمًا؟ بأي ذنبٍ صار الأب شهيدًا، والأم نازحة، والبيت رمادًا؟

الشهيد مصطفى جميل شيخو، لم يكن مجرد رقم في سجل الموت، بل وجهًا من نور، يحمل ذاكرة الأرض التي عشقها، ورائحة الوطن الذي اغتُصب. نقف اليوم أمام الله، وأمام ضمائرنا، وسنقولها دون تلعثم: “لماذا نهبتم عفرين؟ لماذا هجّرتم أهلها، وسرقتم دفء بيوتها؟”

ندين هذه الأفعال الإجرامية، لا بصفتنا كوردًا فقط، بل بصفتنا بشرًا ما زال فينا بقايا ضمير. هؤلاء المرتزقة وأعوانهم لم يسرقوا أرضًا فحسب، بل سرقوا الحلم، والهوية، والذاكرة.

وذاك الطفل الصغير الذي لم يرَ النور، لم يذنب. لكنهم أحرقوا قلب والده، وقلب أمّه، وأشعلوا النار في قلوب ملايين الكورد الذين ما زالوا يذوقون مرارة الفقد كل يوم.

ألمٌ بحجم وطن، وجرحٌ بحجم الإنسانية.
عفرين ليست جرحًا كرديًا فقط، بل جرحًا للعالم كلّه، لأنها تفضحُ حجم الانحدار الذي وصلنا إليه، حين يُقتل الطفل قبل أن يولد، وتُهدم البيوت قبل أن تكبر فيها الضحكات.
لكننا رغم كل شيء لا ننكسر.

نقسم على ذاكرة الشهداء، وعلى رماد البيوت التي لم تمت بعد، أننا سنعود.
سنعود إلى عفرين، لا كلاجئين، بل كأصحاب الأرض.
سنعود ومعنا الزيتون، ومعنا أسماء الشهداء، ومعنا دموع الأمهات، وسنزرع الحياة في أرضٍ اغتصبها الحقد.

عفرين ستعود لأن الحق لا يُغتال، وإن طال الظلم.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…