من يُمثلنا؟ حين يُساوم المفاوض… ويُقصى المخلص! قراءة نقدية في مشهد التمثيل الكوردي وتحديات وحدة الصف

ماهين شيخاني

 

انطلاقاً من حرصنا العميق على وحدة الموقف الكوردي، تابعنا باهتمام انعقاد كونفرانس وحدة الصف الكوردي في مدينة قامشلو، الذي جاء – وإن متأخراً – بدعوة من المجلس الوطني الكوردي، على أمل أن يشكّل خطوة جدية نحو توحيد الكلمة الكوردية، في لحظة تاريخية حرجة تستدعي أقصى درجات الوعي والتنسيق.

غير أن ما رافق المؤتمر من مداولات، وما تبعه من نتائج، أظهر جملة من الإشكاليات التي لا يمكن التغاضي عنها، وعلى رأسها ما بدا من تنازلات واضحة عن ثوابت المجلس الوطني لصالح الطرف الثاني ، في سياق الحوار الثنائي بين الطرفين. تنازلات باتت تمس جوهر التمثيل الكوردي وتقلق الشارع المتعطش لوحدة حقيقية تقوم على الندية والشراكة، لا على الاستتباع والمساومة.

وفي ظل التحولات السياسية المتسارعة بعد سقوط نظام الاستبداد، والانفتاح الدولي على التغيير في سوريا، تتجدد آمال السوريين في وطن جديد يسوده السلام وتُصان فيه حقوق جميع المكونات، وفي مقدمتهم الشعب الكوردي الذي قدّم الكثير من التضحيات.

إلا أن آلية تشكيل الوفد الكوردي المفاوض، وطريقة اختيار أعضائه، كشفت عن استمرار نهج الإقصاء، حيث تم تكريس هيمنة طرف واحد على القرار، وسط عجز واضح من رئاسة المجلس الوطني الكوردي عن أداء دورها كممثل شرعي فعّال في لحظة مصيرية.

لقد شكلت المساومة على ثوابت المجلس – التي قادها بعض المتنفذين داخله – صدمة حقيقية للشارع الكوردي، حيث تم تقزيم دوره من شريك وازن في المعادلة السياسية إلى مجرد ملحق ديكوري لا يعبر عن نبض الناس ولا عن تضحياتهم.

وما زاد من قتامة المشهد، هو تشكيل الوفد التفاوضي من نطاق جغرافي ضيق، وتغييب واضح لقوى كوردية وطنية وشخصيات مستقلة ومثقفين ومؤسسات المجتمع المدني، في مشهد يعيد إنتاج الذهنية الإقصائية ويؤكد غياب آليات الشفافية والمحاسبة داخل المجلس الوطني ذاته.

كما يفتقر الوفد المشكّل للكفاءات والخبرات القانونية والدستورية الضرورية التي تتطلبها الملفات الحساسة في أي مفاوضات جادة تتعلق بالحقوق القومية للشعب الكوردي، ما يُضعف من موقعنا التفاوضي ويقلل من فرص تحقيق مكاسب جدية.

وفي هذا السياق، نُذكّر أن المشاركين في الكونفرانس كانوا قد أقرّوا الرؤية الكوردية المشتركة المقدّمة إليه، باعتبارها وثيقة تأسيسية تعبّر عن إرادة جماعية، وتطرح مقاربة واقعية لحل عادل للقضية الكوردية في إطار سوريا موحدة، متعددة القوميات والأديان والثقافات، على أن يضمن دستورها الحقوق القومية للكُورد، ويلتزم بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ويصون حرية المرأة ويُمكّنها من المشاركة في كل مؤسسات الدولة. وهذه الوثيقة تمثل التزاماً وطنياً لا يجوز التفريط به، بل يجب اعتباره أمانة أخلاقية وسياسية في أعناق كل من يتحدث باسم هذا الشعب.

ختاماً، إن أي عملية تفاوضية تمس حاضر ومستقبل الكُورد يجب أن تُبنى على تمثيل حقيقي وشامل، ينطلق من الشراكة والإرادة الحرة، ويُقصي منطق الصفقات والتعيينات فوقية، لأن من يفاوض دون شرعية الشارع يُفرّط لا محالة، ومن يُقصي صوت العقلاء والمخلصين يُمهّد لتكرار الخيبات.

فمن يُمثلنا إذن؟ من يساوم… أم من يصون؟

الجواب بيد الشعب …..؟!.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…