عدنان بدرالدين
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عبر منصته “تروث سوشيال”، أنه يعتقد أن الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران يجب أن تتوقف، مشيرًا إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشاركه الرأي ذاته. التصريح جاء في وقت يشهد تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق بين الطرفين، وفي ظل ظروف إقليمية ودولية معقدة، تطرح تساؤلات حول دوافع هذا الطرح، ومدى قدرة ترامب على التأثير في مجريات هذا الصراع.
رغم الصيغة الهادئة للتصريح، فإنه لا يمكن فصله عن السياق السياسي الذي يصدر فيه. ترامب يسعى إلى ترسيخ صورته كصانع قرار عالمي، وهو دور سعى مرارًا إلى تجسيده خلال فترات الأزمات، سواء في كوريا الشمالية أو أفغانستان أو ملف إيران النووي خلال ولايته السابقة. غير أن دعوته لوقف الحرب لا تترافق مع خطة واضحة، ولا تظهر في الوقت الحالي مؤشرات عملية على وجود قناة فعالة للتفاوض بين أطراف النزاع.
فيما يتعلق بإسرائيل، فإن القدرة النظرية لواشنطن – وترامب تحديدًا – على الضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو موجودة، بحكم علاقة التحالف الوثيق والدعم العسكري والاستخباراتي الذي تعتمد عليه إسرائيل بشكل كبير. ومع ذلك، فإن الواقع السياسي في إسرائيل، والتوجهات الأمنية الحالية لحكومتها، تجعل من الصعب إقناعها بوقف الحرب دون تحقيق أهدافها المعلنة، والتي تتعلق بتفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية، وإضعاف نفوذ طهران العسكري والإقليمي.
من جهة أخرى، تبدو إيران في موقف دفاعي معقد للغاية، إذ تواجه ضربات مركزة على منشآتها النووية والعسكرية، بالإضافة إلى استهداف واضح لمواقع استراتيجية في قطاع الطاقة والبنية التحتية. كما خسرت في الآونة الأخيرة عددًا من كبار القادة العسكريين والعلماء، في عمليات وُصفت بأنها دقيقة ومنسقة. هذه الخسائر لم تُقابل حتى الآن بردود تُوازي حجم الهجمات، وهو ما أضعف صورة الردع الإيراني، وأثار تساؤلات داخلية حول جاهزية النظام لمواجهة هذه المرحلة الحرجة.
ورغم امتلاك إيران شبكة واسعة من الحلفاء المسلحين في المنطقة، فإن هذه الأذرع – سواء في لبنان أو العراق أو اليمن أو سوريا – لم تُفعّل بشكل لافت حتى الآن. هناك عدة عوامل تفسّر هذا الحذر، منها التوازنات المحلية في الدول المعنية، والخشية من توسيع نطاق المواجهة بطريقة قد تكون لها آثار مدمرة على النظام الإيراني نفسه، في وقت تزداد فيه مؤشرات التوتر الاجتماعي والاقتصادي داخل إيران.
أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن انخراطه المفاجئ في الحديث عن وقف الحرب لا يعكس قناعة استراتيجية راسخة بقدر ما يعكس حسابات ظرفية. فموسكو، التي تعاني من استنزاف عسكري واقتصادي في أوكرانيا، لا تستطيع تحمّل خسارة حليف استراتيجي كإيران في لحظة حرجة. انهيار طهران أو تراجعها الكبير أمام ضربات إسرائيل قد يفتح الباب أمام تغييرات جذرية في خارطة النفوذ الإقليمي، قد تُقصي روسيا جزئيًا أو كليًا من منطقة اعتبرتها لفترة طويلة مجالًا حيويًا لتوازناتها في الشرق الأوسط.
في المقابل، تبدو القيادة الإيرانية اليوم في وضع بالغ الهشاشة. الضربات الإسرائيلية المركّزة استهدفت عمقًا نوويًا وأمنيًا، وألحقت أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية، مع تسجيل خسائر بشرية في مواقع حساسة. الردود الإيرانية ما زالت محدودة النطاق والتأثير، فيما الأذرع الإقليمية لطهران تلتزم الحذر أو الصمت، باستثناء محاولات محدودة وباهتة من جانب الحوثيين لم تغير من ميزان الردع القائم، أقله حتى كتابة هذه السطور. داخليًا، تتصاعد مؤشرات التململ الشعبي، وتبدو القيادة الإيرانية في موقع الدفاع الصعب، حيث إن تراجع القدرة على الردع يقترن بقلق متزايد من تفجّر الساحة الداخلية.
أما دونالد ترامب، فيجد نفسه اليوم أمام مفارقة مركبة. فمن جهة، يُعرف بميله إلى تقديم دعم غير مشروط لإسرائيل، ومن جهة أخرى، يدرك أن التصعيد الجاري يهدد بتحوّل الحرب إلى مواجهة شاملة، قد تجرّ واشنطن إلى صراع إقليمي يستنزف مواردها ويقوّض استقرار حلفائها، ويضعف صورته كصاحب مشروع سلام دولي. فالتوتر المتصاعد لا يهدد فقط توازنات الشرق الأوسط، بل يُربك أيضًا خططه السياسية إذا ما تطورت الأزمة إلى مشهد لا يمكن التحكم بتداعياته من زاوية المصالح الأميركية الأوسع.
15 حزيران 2025