عندما يصبح الراتب سلاحًا والصاروخ رسالة كوردستان تحت نيران الإخوة المزيفة

ياسر بادلي

في زمنٍ يُفترض أن يكون فيه السلاح موجهًا للدفاع عن الوطن، لا لتقويضه، نشهد اليوم واقعًا مؤلمًا في العراق، حيث تتحول الرواتب إلى أدوات ابتزاز، وتتحول الصواريخ إلى رسائل سياسية، تُوجَّه لا إلى عدو خارجي، بل إلى أبناء الوطن أنفسهم.

إقليم كوردستان، هذا الجزء العزيز من العراق الذي احتضن الجميع حين ضاقت بهم السبل، يعيش اليوم تحت ضغط ممنهج تمارسه ميليشيات تتبع أجندات طائفية، يقودها قيس الخزعلي، أحد أبرز رموز “عصائب أهل الحق”. فمن إطلاق الصواريخ على مدن الإقليم، إلى محاولات خنق اقتصاده، وصولًا إلى عرقلة دفع رواتب موظفيه، تتعدد أدوات الاستهداف، لكن الغاية واحدة: إضعاف كوردستان وترويضه سياسيًا.

ما الذي يجعل الراتب، وهو حق دستوري، يتحول إلى ورقة ضغط؟ ومن الذي منح الميليشيات حق استهداف كوردستان بالصواريخ وكأنها عدو؟ إن هذه الأفعال لا تعبّر عن موقف سياسي بقدر ما تعبّر عن عقلية تسعى لتصفية الحسابات بلغة السلاح، بدلًا من الحوار والاحترام المتبادل بين مكونات الوطن.

الخزعلي، الذي يفترض به أن يعمل ضمن منظومة وطنية، يوجه أعوانه إلى زعزعة استقرار الإقليم الذي طالما كان واحة أمان في بحر من الفوضى. لكن كوردستان، بقيمها، وشعبها، وتاريخها النضالي، لن تكون لقمة سائغة أمام محاولات الإخضاع والترهيب.

إن استمرار هذه السياسات العبثية يقود العراق إلى مزيد من التصدع. والواجب الآن على الحكومة الاتحادية، إن كانت جادة في بناء وطن، أن تواجه الميليشيات الخارجة عن القانون، وتضمن التوزيع العادل للثروات، وتحمي كوردستان كما تحمي أي بقعة من العراق.

كوردستان ليست ضعيفة، لكنها تصبر. وليست منعزلة، لكنها تتسامى. أما الراتب، فليس سلاحًا، بل حق، وأما الصاروخ، فليس لغة تفاهم، بل إعلان فشل. ولن يدوم الزيف طويلًا أمام حقيقة وطن يريد أن يعيش بسلام.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح عمر سقطت أركان نظامٍ استبدّ لعقود، وهرب زعيمه إلى حيث يظنّ أن الخطر بعيد. واحتلت فراغ السلطة كيانات مسلحة وجماعات إقليمية تتصارع على النفوذ، وُلدت في ظل هذا الفراغ حكومات مؤقتة وقرارات استثنائية تُحاكي إدارة شأن بلد لا يزال ينزف. لكنّ الجرح الأعظم لا يكمن في تبدّل الوجوه أو تبدّل العواصم الداعمة؛ بل في أن سوريا باتت ساحةً لتجييشٍ…

شادي حاجي يبدو أننا كشعبٍ كردي في سوريا، يعيش على أرضه التاريخية، في طريقنا إلى صراع، بل وصدام صعب وشاق وطويل المدى مع السلطة المؤقتة في دمشق، حول المطالب المشروعة للشعب الكردي في سوريا. ولسنا في وارد حلحلةٍ سريعة لإيجاد حلٍّ عادلٍ للقضية الكردية التي نطمح إليها، نظرًا لاعتماد السلطة المؤقتة في دمشق على الاستجابة الجزئية، وفي الحد الأدنى من…

نارين عمر نؤكّد نحن الكرد على الدّوام على أنّ لغتنا الكردية هي هويتنا وإحدى مقوّمات استمرارنا وديمومتنا، لأنّنا ومنذ احتلال وطننا كردستان وحتى اليوم نعاني من مختلف أنواع الاضطهاد والظّلم ومحاولات طمس الهوية من قبل الجهات المحتلة لكردستاننا، ولكن وعلى الرّغم من محاولاتهم الجبّارة لإضعاف لغتنا وإرغامنا على عدم التّكلّم بها إلا أنّ كلّ هذه الممارسات من قبلهم تدفعنا إلى…

نورالدين عمر اعتراض بعض الناس على السماح بفتح المدارس المسيحية التي تعتمد منهاج السلطة في شمال وشرق سوريا قد يكون مبررًا في بعض الجوانب، لكن من غير المقبول أن يتحول هذا الاعتراض إلى إساءة أو استهداف لأي مكون. لقد لاحظت في الآونة الأخيرة بعض المنشورات التي تشبه خطابات المصفقين لسلطة دمشق، إذ يُتهم المسيحيون بأنهم مؤيدون للنظام ولم يدافعوا…