الآمال المعقودة على الوفد الكردي المشترك

شيرزاد هواري

 

بعد سنوات من الانقسام والتباين السياسي، ومرحلة طويلة من الحوارات التي تخللتها محطات من التأمل والانكسارات، شهدت مدينة قامشلو في 26 نيسان 2025 لحظة مفصلية في تاريخ الحركة الكردية السورية، تمثّلت في انعقاد “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي”، الذي أفرز ما بات يُعرف بـ”الوثيقة الكردية الموحدة” – وهي ثمرة توافق نادر جمع الطيف السياسي الكردي على اختلاف مشاربه وتوجهاته.

هذا الإنجاز لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة مشاورات عميقة ومسارات تفاهم معقّدة، توّجت بالإجماع على رؤية كردية مشتركة للتعامل مع الشأن السوري والقضية الكردية ضمنه، بما يضمن انتقالًا سلميًا ديمقراطيًا شاملاً يطوي صفحات الغبن والحرمان التاريخي.

واستنادًا إلى قرار الكونفرانس، القاضي بتشكيل وفد كردي مشترك للحوار مع حكومة دمشق والأطراف الدولية والكردستانية، عقد الوفد اجتماعه التأسيسي بتاريخ 4 حزيران 2025، بحضور قيادة قوات سوريا الديمقراطية ممثلة بالجنرال مظلوم عبدي، وتم الاتفاق على مباشرة الوفد لمهامه رسميًا بعد عطلة العيد.

الوفد الذي يمثل تطلعات الكرد إلى شراكة وطنية متكافئة، يضم في رئاسته المشتركة محمد إسماعيل وپروين يوسف، وعضوية كل من:

  • آلدار خليل
  • ريحان لوقو
  • أحمد سليمان
  • سليمان أوسو
  • صلاح درويش
  • نصرالدين إبراهيم
  • فيصل يوسف

ورغم أن تمثيل الوفد لا يخلو من هيمنة سياسية تقليدية قد تكون ظلمت مناطق كوردية مهمّشة، وعلى رأسها ريف حلب، فإن مجرّد تشكيله يعكس خطوة تاريخية في سبيل كسر الحواجز الداخلية، وتوحيد القرار السياسي الكردي الذي طالما عانى من التشتت والانفراد.

جملة من التأملات الكردية الطموحة اليوم تنتظر نتائج الحوار القادم مع حكومة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وهي مفاوضات سيكون لها ما بعدها في حال أبدت دمشق الجديدة مسؤولية سياسية وأخلاقية في التعامل مع المطالب المشروعة للشعب الكردي. وفي هذا السياق، فإن الكرة باتت بوضوح في مرمى الحكومة السورية الانتقالية، بعد أن وصلت إلى دمشق ولأول مرة، ملامح صوت كردي موحّد لا لبس فيه.

وأمام الحكومة السورية الآن امتحان صعب: فإما أن تعيد إنتاج سيناريو المأساة الكردية السابقة، كما فعلت الحكومات المتعاقبة، أو أن تعيد النظر بجدّية في معاناة جزء كبير من النسيج التاريخي للشعب السوري، وتمنحه مكانته التي يستحقها، عبر ضمان حقوقه الدستورية في دولة مدنية، تعددية، ديمقراطية طالما حلم بها السوريون جميعًا.

إن حكومة الشرع الانتقالية أمام لحظة مفصلية، لا تختبر فقط عدالة مشروعها الوطني، بل أيضًا مدى قدرتها على تصحيح أخطاء الماضي، وبناء شراكة حقيقية مع المكوّن الكردي، كجزء لا يتجزأ من مستقبل سوريا الجديدة.

في المقابل، تقع على القوى الكردية مسؤولية حماية هذا التوافق التاريخي، وتحويل “الوثيقة الكردية” من ورقة سياسية إلى مشروع وطني شامل، ينفتح على كافة المكونات السورية، ويكسب ثقتها وتأييدها.

الوفد الكردي المشترك اليوم ليس مجرد إطار تفاوضي؛ إنه تجسيد لإرادة شعبية واسعة، وخطوة متقدمة نحو دور كردي فاعل ومسؤول في صياغة مستقبل البلاد، على قاعدة العدالة والمواطنة والمشاركة الوطنية الحقيقية.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…