الإعلام والوعي الزائف: سلاح السلطة في عصر المعلومات

خالد بهلوي

 

يُعَدّ الإعلام من أكثر الأدوات تأثيرًا وأهمية في الواقع، لما له من قدرة على التأثير في أنماط تفكير الناس، لا سيما بعد الثورة المعلوماتية ودخول العالم عصر الإنترنت والفضائيات، التي تتسابق على صناعة الخبر.

من هنا، يمكننا الحديث عن سباق الثقافة والمعلومة بدلًا من سباق التسلح، الذي تراجع دوره بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، والذي كان يُشكّل آنذاك نوعًا من التوازن الثقافي والإعلامي مع الإعلام الغربي المعروف بطابعه الاستغلالي، الذي يهدف إلى خدمة أغراضه ومصالحه الاقتصادية والعسكرية، مُسخِّرًا لذلك مليارات الدولارات.

يقول لينين: “يجب الحذر من الصحافة الصفراء التي تُتقن صناعة الخبر باستخدام الصور والوثائق، إلى درجة يصعب معها التمييز بين الخبر الصادق والمزيف”، وهو ما نُطلق عليه اليوم “الإمبراطورية الإعلامية”، خاصة في المرحلة الحالية حيث دخل الذكاء الاصطناعي كل مجالات الحياة اليومية.

لذلك، أصبحت للثقافة وللكلمة الصادقة مكانة بارزة في إعادة تشكيل وعي الإنسان. ولكن، للأسف، تحوّلت الثقافة وبعض المثقفين إلى سلعة رخيصة تُسوَّق عبر القنوات الإعلامية، وهذا ما فعله بعض الحكام المستبدين، الذين سخّروا الإعلام والكُتّاب والصحف لتمرير ثقافتهم القائمة على نهب شعوبهم واستغلال ثروات بلادهم في تقوية مراكزهم وتوسيع امتيازاتهم.

إلى جانب ذلك، نُشرت ثقافة الخوف من الحاكم و”الآخر”، وأصبح بعض المثقفين والثقافة ذاتها رهنًا لرغبات وأهواء صاحب السلطة، وكل من تجرّأ على مخالفة ذلك كان مصيره السجن أو النفي، مما أدى إلى تقلّص عدد المثقفين الثوريين، وزيادة عدد المثقفين المزيّفين.

مئات الصحف وقنوات التلفاز تُسهم في ضخّ الوعي الزائف إلى عقول الشعوب، خاصة عبر “فيسبوك”، أكثر مواقع التواصل الاجتماعي انتشارًا. ويُشاع أن جهات استخباراتية تديره، فإن صحّ ذلك، يكون مئات الملايين من المشتركين متطوعين لتقديم معلوماتهم مجانًا لتلك الجهات، وبشفافية وصدق، ويكون كل أصدقاء “الفيس” مكشوفين لتلك الأجهزة.

نجد في بعض الدول العربية قنوات تلفزيونية موجَّهة وخاضعة لرقابة إعلام السلطة، التي تُجمّل صورة النظام. وغالبًا ما تكون هذه الحال في الأنظمة الشمولية التي تُستخدم فيها وسائل الإعلام لخنق أي محاولة أو نشاط ثقافي أو فكري يحاول خرق جدار السلطة الحاكمة، التي تتوارث الحكم منذ عقود.

وتبرز حالة من غياب الثقافة التي تُعبّر عن هموم ومصالح الأقليات القومية في الشرق الأوسط، حيث تُمنع هذه الأقليات من إنشاء مدارسها وكتابة تاريخها وحضارتها بلغتها الأم، ما يؤدي إلى اندثار أدبها وفنونها وتراثها، وذوبان خصوصيتها الثقافية. وتطفو على السطح دائمًا الثقافة الرسمية، التي لا تعكس واقع وهموم هذه الأقليات وسائر الفئات المهمّشة.

فينشأ شعور بالغربة بين المثقفين “الرسميين” وغيرهم، في ظل غياب الحوار الهادئ، نتيجة رفض القومية الكبرى الاعتراف بالقوميات الأخرى، وخوفها من أي تجاوز لحدودها، التي تحميها الأحكام العرفية والمراقبة الصارمة، حتى على المواقع الإلكترونية، التي أصبحت المنفذ الوحيد للأقلام الجادة الباحثة عن هويتها وثقافتها القومية، خشية الذوبان   في ثقافة القومية الحاكمة.

لذلك، فإن خطر تدهور الثقافة الوطنية ليس مجرّد شعار، بل هو واقع ملموس، إذا لم تتوحد وتتجانس الثقافات المختلفة داخل كل بلد، لتشكّل وحدة وطنية راسخة تتحطم عندها كل أشكال الغزو الثقافي الزائف، الذي تُخفي وراءه الشركات الاحتكارية مصالحها الاقتصادية، بدءًا بالغزو الثقافي، وانتهاءً بالهيمنة على مقدرات الشعوب ومحو حضاراتها وثقافاتها.

ينبغي أن يُدرِك الجميع، وعلى رأسهم المثقفون الباحثون عن الحقيقة، أن من حق كل إنسان أن يمتلك لغة وثقافة يكتب بها، ويقرأ بها، ويدافع من خلالها عن تاريخه وتراثه، وينقل هذا التاريخ إلى الشعوب والحضارات الأخرى، لتتشارك جميعها في بناء الحضارة الإنسانية، التي هي ملك لجميع الشعوب، على اختلاف أديانها وقومياتها، صغيرة كانت أم كبيرة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…