من حكم البعث إلى إرث البعث

مصطفى جاويش

 

شكل سقوط البعث والاسد نقطة مفصلية بتاريخ سوريا الحديث المعاصر ، فمنذ أكثر من نصف قرن استولى البعث على السلطة في عام 1963 بشعاراته الكبيرة في الوحدة والحرية والاشتراكية للشعب العربي من المحيط الى الخليج وتشكيله البنية الفكرية المجتمعية وصياغة مفاهيم قومية للشعب السوري في ظل حكم استبدادي سلطوي أحادي يقدس الفرد ويضعه فوق المجتمع والدولة مستغلاً بذلك الروح القومية والاستعلاء القومي المقيت المدمر لباقي مكونات الشعب السوري وتهميشه الهويات الأخرى من الكورد والسريان والاشوريين و ……. وإقصائه كل الحركات والمنظمات والأفكار التي لا تتوافق مع الفكر الأحادي وتكريسه وممارسته ثقافة الخوف والاعتقال وبث الرعب في النفوس ووصوله إلى الرقابة الذاتية للشعب السوري نتيجة القمع وإقصاء الآخر . وبسقوط البعث وهروب قائده انهارت مؤسسات البعث وفرط عقده الذي دام أكثر من ستين عاماً ، واعتقدنا للوهلة الأولى بانهيار بنيته الفكرية والعقائدية المبنية على احتكار السلطة والتعصب القومي ومناهضة الإمبريالية والصهيونية والشعارات الكبيرة ، وبعد مرور ستة أشهر على انتصار الثورة السورية سقطت بعض شعارات البعث من البنية الفكرية السورية وبقيت البعض منها باشكال ولباس آخر ولم يتشكل بعد الوعي المجتمعي الوطني الجامع للمكونات السورية ، وفي غياب الرؤية الوطنية الواضحة ستتحول تلك المكونات السورية إلى صراع فيما بينها من دون معالجة الماضي المؤلم وسيبقى الحاضر متوتراً ومليئا بالإنقسامات . ولعبور هذه المرحلة الخطيرة والحساسة في حاضرنا الحساس على الدولة صياغة مفهوم جديد للوطنية السورية بعيدة عن التعصب القومي والديني ونشر ثقافة الحوار وقبول الآخر المختلف ضمن سورية واحدة في وطن يتسع للجميع تسوده العدالة الاجتماعية والأنظمة والقوانين وحقوق الإنسان.
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…