قراءة في العداء للكورد في زمن الانهيار الأخلاقي

د. محمود عباس

 

في زمن الانقلابات السياسية والتحوّلات المصطنعة، يصبح التمسك بالحقيقة فعلاً ثوريًا، لا لأن الحقيقة تغيّرت، بل لأن العالم بات ينكرها علنًا ويُجرّم من ينطق بها. في هذا السياق، تبدو القضية الكوردية اليوم واحدة من أكثر القضايا التي تثير الذعر في نفوس النظم القومية والمشاريع الدينية المتطرفة، لا لأنها تهدد أحدًا، بل لأنها تفضح تاريخًا طويلاً من الإنكار والخداع.

فحين يتصاعد الهجوم ضد الكورد، ممهورًا بالشتائم واللغة السوقية، نعلم أن صوت الحقيقة بدأ يخترق جدران الصمت، وأن الذين اعتادوا احتكار الخطاب، باتوا يواجهون من لا يخشون الصدع به.

الكلام البذيء الموجه للكورد ليس انفعالًا، بل رد فعل على صعودهم، على حضورهم في المشهد الإقليمي والدولي، وعلى إحراجهم المستمر للمنظومات القمعية التي تأسست على نفي وجودهم، كلما طالب الكوردي بحقه، انفجرت ماكينة التشويه ضده، ليس لأنه أخطأ، بل لأنه قال ما لا يريدون سماعه.

هذه الحملة التي تصاعدت في المرحلة الأخيرة هذه، ليست سوى امتداد لعقلية الاستبداد التي تتلون بأسماء مختلفة، لكنها لا تعترف إلا بمن يشبهها، وينكر الآخرين.

قال جورج أورويل:

كلما ابتعدت المجتمعات عن الحقيقة، زادت كراهيتها لأولئك الذين ينطقون بها.”

وها نحن نرى هذه الكراهية تتكثف كلما اقترب صوت الكوردي من الحقيقة، وكلما اقتربت عدالة قضيته من الاعتراف الدولي، وهذا ليس إلا دليلًا على أن ما يقوله الكورد بات يمس جوهر الزيف الذي بُنيت عليه أنظمة كاملة، ودول بأكملها، وتحالفات قائمة على كتم الأصوات الحرة.

وإلى الرأي العام السوري، والعربي، والدولي، نقول:

لسنا خصومًا لأحد، ولسنا دعاة قطيعة، لكننا أيضًا لن نقبل أن نستمر كضحايا في مشهد مكرر من الكذب والتجاهل.
الكورد ليسوا خطأ جغرافيًا ولا فائضًا ديموغرافيًا، بل شعب حيّ، له تاريخه، وحقوقه، ومكانته التي لن تُمنح له منّة، بل يُنتزعها بصوت العقل، لا بالصمت المفروض.

أيها الأحرار،

لا تُنصتوا لمن يصرخ بالشتيمة، بل أنصتوا لمن يهمس بالحقيقة.

ولا تهابوا من يقاتل الكلمة، فهو يدرك أنها أقوى من سلاحه.

قفوا مع من يقول، نحن هنا، ولن نُمحى.

 

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

22/5/2025

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مبادرة او خطة ، او مشروع الرئيس الأمريكي – دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة ، وتحقيق السلام ، وإيجاد حل للقضية الفلسطينية ، بحسب المواد العشرين التي تضمنتها الخطة الامريكية ، والتي أعلنت الخطوة الأولى الأهم – وقف العمليات الحربية في غزة – البارحة في مصر (شرم الشيخ ٨ \ ١٠ \ ٢٠٢٥) خلال التفاوض غير المباشر…

شادي حاجي توصف الدول التي تحتضن مكونات مجتمعية متعددة من حيث القوميات والأديان والطوائف -عادة- بأنها دول متعددة الثقافات أو دول تعددية. ويظهر الاعتراف الدستوري بهذه التعددية في أشكال عدة، منها: النص الواضح والصريح والشفاف على التعددية القومية أو الدينية أو الطائفية، والحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية لكل منها بما يضمن خصوصيتها، وذلك من خلال الإقرار بنظام فيدرالي، أو منح حكم…

بهرين أوسي تظل مدينة رأس العين (سري كانيه) الواقعة في شمال سوريا (روج آفايي كوردستان) مثالًا صارخًا على المعاناة الإنسانية المستمرة والتغيير الديموغرافي القسري الذي تُمارسه القوات التركية والفصائل الموالية لها رغم سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024 وتشكيل حكومة انتقالية لم يطرأ أي تغيير ملموس على واقع المدينة التي ما تزال تعيش تحت الاحتلال التركي المباشر وسط صمت دولي…

زاهد العلواني آل حقي لفت نظري هذا الشعار الذي استخدمته الحركات الشيوعية والأوربية في زمنٍ مضى، عندما كانت ترفع الشعارات بديلاً عن الإيمان، وتمنح “الخلود” للإنسان وكأنها تملك مفاتيح الآخرة. لكن المدهش اليوم أن نرى بعض الأخوة من كُرد سورية، يكررون هذه العبارات بعنادٍ فكري وكأنهم يعيشون خارج سياق الزمن والتجربة. إنها بقايا مرحلةٍ كان فيها “المجد والخلود” شعاراً سياسياً…