فأفغانستان تشكّل بالنسبة لها فرصة لمساومة الجانب الأمريكي على التعاون من أجل تحجيم حركة طالبان، كهدف مشترك، حتى لا تعود للتهديد بإشعال حروب مذهبية على خاصرتها الشرقية، لكنها تراهن من جهة أخرى على استمرار حالة عدم الاستقرار فيه بهدف إشغال القوات الأمريكية هناك، واستثمار حاجة الإدارة الأمريكية لتعاونها الأمني في كل من أفغانستان والعراق، لصالح ملفّها النووي، والذي يمر بمرحلة دقيقة بعد أن أمهلتها الدول الست حتى نهاية السنة للرد على اقتراحها بنقل اليورانيوم الإيراني للخارج لاستكمال تخصيبه في روسيا.
وتستعد تلك الدول لفرض عقوبات جديدة في حال عدم تجاوب طهران مع تلك الاقتراحات، التي يتميّز الموقف الإيراني حيالها بالازدواجية، حيث يبدى النظام مرونة واضحة توحي بالتجاوب، مدفوعاً في ذلك من عدة عوامل، منها الأزمة الداخلية التي يعاني منها عقب الانتخابات الرئاسية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، بالإضافة للعامل الخارجي الذي جاء من انضمام روسيا إلى حملة الضغط، وتلويحها بإمكانية الموافقة على العقوبات، لكنه يماطل بالمقابل طمعاً في كسب المزيد من الوقت لاستكمال بناء قدراته النووية، من أجل استثمارها في تعزيز نفوذه السياسي في المنطقة، ومنها العراق على ضوء اقتراب موعد انسحاب القوات الأمريكية عام 2011 ، والذي سوف ترسم الانتخابات البرلمانية المقبلة الصورة الجديدة لخارطته السياسية، حيث تشتد المنافسة بين الكتل السياسية، وتحتل قضية كركوك، التي لا يزال تقرير مستقبلها وفق الدستور يخضع لاعتبارات سياسية داخلية وخارجية، خاصة من الجانبين الإيراني والتركي.
وإذا كانت إيران تتّخذ من هذه القضية فرصة للتدخّل في الشأن الداخلي العراقي، فإن الجانب التركي يربط كركوك بمستقبل إقليم كردستان وانعكاساته على الوضع الكردي في كردستان تركيا، وقد أخذ ذلك بعين الاعتبار في مبادرة آردوغان الأخيرة للانفتاح على القضية الكردية هناك، والتي يرى أن بقاءها دون حل يقف في طريق طموحات تركيا نحو الازدهار الاقتصادي، وتبوّئها لدور أكبر إقليمياً ودولياً، ولكن معالجة هذا الملف لا تزال تعترضه صعوبات كبيرة، حيث ينقسم الرأي العام في تركيا حول هذا الموضوع لفريقين: فالكرد والإسلاميون والليبراليون يتعاطفون مع هذه المبادرة التي تجري مناقشتها في البرلمان، في حين يعارضها كل من الحزب الجمهوري والحركة القومية، وكذلك المؤسسة العسكرية، لأنها تأتي في إطار متابعة الإصلاحات الداخلية اللازمة للإيفاء بمعايير الانضمام للاتحاد الأوروبي، وتحسين العلاقات مع إقليم كردستان، والتفرغ لدور إقليمي، بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية، في مواجهة النفوذ الإيراني، والمساهمة في حل قضايا المنطقة، ومنها إمكانية التوسّط من جديد في المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل، التي تستمر محاولات إحيائها، بمساعدة فرنسا بعد أن أحجمت عنها الإدارة الأمريكية بسبب انشغالها بمشكلاتها الداخلية، وبالملفّين الأفغاني والإيراني.
وتأتي تلك المحاولات إثر تعثّّر الجهود الأمريكية الرامية لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، وتحسّن الوضع اللبناني بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني، وتطبيع العلاقات السورية السعودية، وتراجع الحكومة الإسرائيلية عن اعتراضها على الوساطة التركية.
وعلى الصعيد الداخلي السوري، تواجه البلاد أزمة اقتصادية حادة نتيجة سياسات الحزب الواحد وتفشي الفساد فضلاً عن سوء الإدارة، والتي تعمّقت مؤخّراً بفعل تداعيات الأزمة المالية العالمية.
وقد بدأ الاقتصاد السوري يدخل في مرحلة حساسة بعد تراجع واردات النفط والمساعدات الخارجية، مما تسبّب في تدهور أوضاع الطبقات الشعبية، وارتفاع متزايد في معدلات البطالة ، وتزايد الهوّة بين الفقراء والأغنياء، واتساع دائرة الفقر، وما نجم عنه من حالات نزوح وهجرات نازفة، سواء داخل البلاد أو إلى الخارج، خاصة من الريف الذي يعاني من تراجع الإنتاج الزراعي والدعم الحكومي وشح المياه والأمطار وغياب التخطيط السليم، وتعرض القطاع الزراعي في السنوات الأخيرة لانتكاسات كبيرة بسبب غلاء التكاليف وأسعار الوقود.
وتترافق هذه الأزمة مع تصاعد الضغوطات الأمنية واتساع عمليات الاعتقال التي طالت مؤخراً العديد من المهتمين بالشأن العام وأنصار حقوق الإنسان وتشديد الملاحقات والتضييق على الحريات العامة، وتجيير النقابات في الضغط على أعضائها مثلما حصل مؤخراً، حيث أقدمت نقابة المحاميين بدمشق على رفع دعوى مسلكية بحق الأستاذ المحامي حسن عبد العظيم، على خلفية إدانته لقرار شطب إسم المحامي مهند الحسني من النقابة..
أما في الجانب الكردي فإن الاعتقالات الكيفية والأحكام الجائرة لا تزال جارية على قدم وساق حيث اعتقل السيد محمد صالح خليل عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)، كما حكمت محكمة الجنايات الثانية على أعضاء الهيئة القيادية في حزب آزادي الكردي السادة مصطفى جمعة – محمد سعيد العمر وسعدون شيخو، بثلاث سنوات بتهم باطلة مثل (إضعاف الشعور القومي وإيقاظ النعرات العنصرية)، في حين يعاني فيه المعتقلون السياسيون من أوضاع مزرية، مما دعا إلى إقدام حوالي 200 معتقل كردي على الإضراب عن الطعام في سجن عذرا، وكذلك أحيل السيد بهجت إبراهيم(بكي) إلى القضاء العسكري، وذلك في دلالة على تشدّد السياسة الشوفينية حيال مختلف أشكال الحراك السياسي والثقافي الكردي، بالترافق مع تطبيقات المراسيم والمشاريع العنصرية واستمرار قمع الرأي الآخر على الصعيد الوطني العام، وذلك رغم مواقف الاستنكار الصادرة من بعض الجهات الحقوقية، وفي مقدمتها منظمة (هيومن رايت ووتش)، الخاصة بمراقبة حقوق الإنسان، التي قدّمت تقريراً أوضحت فيه للرأي العام العالمي جوانب من محنة الكرد في سوريا، وجاء فيه بأنها (دعت الحكومة السورية إلى الكف عن ممارسة الاعتقالات التعسفية، وأن تفرج عن جميع المحتجزين جراء ممارسة حقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات، وأن تلغي الأحكام الواردة في قانون العقوبات التي تجرّم التعبير السياسي السلمي، وأن تُفعِّل قانوناً للأحزاب السياسية، وتلغي العمل بقانون الطوارئ.
وعلى الحكومة السورية أيضاً أن تقرّ بحقوق الأكراد كأقلّية في التمتع بثقافتهم واستخدام لغتهم، والمشاركة الفعاّلة في الحياة العامة والثقافية في المجتمع.
ولتحقيق هذه الغايات، على الحكومة أن تنشئ لجنة مكلّفة بالتصدي لمظالم الأقلية الكردية في سوريا، وأن تكشف علناً عن نتائج عمل هذه اللجنة وتوصياتها.).
في 7|12|2009
اللجنة السياسية