حنان سيدو
henansido@googlemail.com
henansido@googlemail.com
منذ زمن ليس بالقصير ، بل منذ سنوات ، و تحديدا منذ أن تم فرط عقد المرجعية الكردية التي لم يكن قد مضى على اكتمالها غير سنوات معدودات ، حتى اخذت الأصوات ترتفع من هنا و من هنالك و من هناك و هنا – و قد تعمدنا أن نعدد أدوات الإشارة لأن الدعوات انطلقت هي الأخرى من اتجاهات متعددة – تطالب جميعها بضرورة تأسيس مرجعية كردية يوحد صوت المنظمات الكردية ، و يؤطر عملها ، و يوجه هذا العمل.
في البداية اعتقدنا أن هذه المنظمات صادقة في دعواتها ، مؤمنة بالذي تقدم عليه ، و أنها تملك من العزيمة ما يكفي لأن تترجم تلك الدعوات على أرض الواقع ، خاصة و أنها مرت بتجربة صعبة في (سرهلدانا قامشلو) افتقدت معها ذلك الإطار ، و أنها اقتنعت بأنها و لكي تتجنب مآزق مستقبلية ، فإن عليها أن تتهيأ لها ، و أن المرجعية من أولى أولويات التهيؤ ، إلا أن توالي الأيام و الشهور و السنوات ، و خفوت الأصوات ، و تبعثرها و تباعدها دفعنا لأن نطوي هذه الصفحة ، و لأن نصم الآذان عن تحريك للموضوع صوتا أو كتابة يصدر من هنا أو من هناك ، إلى الدرجة التي تشكلت لدينا قناعة بأن هذه الأصوات لا تهز أصحابها ، ناهيك عن الجماهير الكردية التي تعيش في عالم آخر .
إلا أن ما حدث مؤخرا من تحريك للمياه الآسنة ، في مستنقع المنظمات الكردية ، من قبل كل من التتقدمي و الوحدة ، دفعنا لأن نتمعن أكثر في الحالة ، خاصة و أن الأمر لم يقتصر على منتسبي تينك المنظمتين ، بل تعدى إلى لفيف من القريبين إلى العمل التحزبي ، و إلى قلة ممن لا يزالون يراهنون على بقية من امل ، مما أضفى على الدعوة في هذه المرة طابعا من الجدية ، و شعورا من أن هاتين المنظمتين لديهما من الجدية و الاهتمام و الاصرار لأن تدفعا بهذا المشروع قدما ، و إن تعثرت منهما الخطوات فإنهما براء من النتيجة ، و يكفيهما من الثواب شرف المبادرة .
و حتى لا يتهمنا أحد بنظرية المؤامرة ، و يحملنا فشل المشروع و لما يبصر النور ، و يتهمنا بأن الأمور كانت ستسير في مساراتها السليمة ، لو لا أننا وضعنا العصا الأولى في دولاب هذا التحرك بقصد لجمه ، و إيقافه فإننا نقول : إننا نتمنى لأي مشروع يهدف إلى وحدة الكلمة ، و وحدة الصف الكردي ، و تجميع الامكانات كليا أو جزئيا ، كل التقدم و الاستمرارية ، و نؤكد على أن من واجب الجميع و باختلاف الانتماءات و التوجهات ، تقديم الدعم و المساندة في هذا الاتجاه ، و لكننا نرى أيضا أن من حقنا أن نقف على الأحداث و أن نمعن فيها ، طالما أنها تلامسنا ، و أن نبدي رأيا قد يجانب مزاج قلة قليلة ، إلا أنه لا يجب أن نحمله أكثر مما يحتمل ، و لا أن نضعه في خانة المتعاملين مع الامبريالية و الاستعمار ، فقد يشط بنا الفكر ، و نفشل في إصابة الحقيقة ، و لكن النية تبقى سليمة ، و تظل الدوافع نقية ، و يبقى من حقنا أن نتساءل عن مغزى أن ينهض كلا من التقدمي و الوحدة بهذه المهمة ؟ و يحشدا لها هذا الجمع ؟ و الآن ؟ و بعد أن خفتت الأصوات الأخرى ؟ و لماذا مرجعية جديدة ……..
(ما احنا كنا طيبين) كما يقول المصريون ، و للأستاذ حميد أيضا قول في السياق : (طيب عزيزي .
إذا كنت تريد الوحدة و الاتحاد ، لماذا انفصلت عن حزبك إذا ؟) المرجعية كانت موجودة (التحالف) و قد ساهم هذان الطرفان في تأسيسها من الألف إلى الياء ، و قد كانت تضم الأغلبية الفاعلة من المنظمات الحزبية الموجودة وقتها ، و قد كان من الممكن أن تأتلف البقية الباقية معها بقليل من الصبر و تحمل للمسؤولية ، فلماذا نسفها الأستاذ حميد و من جلسوا في حضنه مع أول فرصة سنحت لهم ؟ فاقتنصوا عصفورين بحجر واحد : دعم و تعميق الخلاف في البارتي و دفعه باتجاه الانقسام ، و تفريغ التحالف من زخمه بتجريده من مقومات التأثير و الفاعلية و الاستمرار على الشكل الذي تم تأسيسه و للأهداف التي بني من اجلها ، و مع أن هاتين المنظمتين حاولتا نفخ الروح فيه و بأكثر من صورة إلا أن ذلك كله لم ينفع و ما الدعوة الجديدة من التقدمي و الوحدة إلى بناء مرجعية جديدة ، إلا إقرار بترقين قيد التحالف و لو أن البعض أدرك ذلك متأخرا .
و حتى يكتمل المشهد ، و نكون منصفين ، فإن ردة الفعل الثأرية القبلية لدى البارتي ، باحتضان المنشقين عن منظمة الأستاذ حميد ، و تأسيس بنيان جديد ، أطلقوا عليه اسم الجبهة ، لم تكن أقل تأثيرا في تفتيت أوصال المنظمات الكردية ، و تهميشها و عزلتها ، نقول ذلك ليس انتقاصا من قيمة و من مكانة الذين انشقوا عن الأستاذ حميد ، و فيهم من أمضى عمره في النضال ، و تعرض للسجن و للملاحقة و لقسوة الحياة ، و لكن انطلاقا من مبدأ عدم التدخل السلبي في أي خلاف ينشب في منظمة كردية ، ناهيك عن تسعير أوارها و دفع الخلاف باتجاه التعميق وصولا إلى التقسيم ، و إلى حدوث ولادات جديدة غير طبيعية ، أتخمت ساحة التحزب الكردية ، و للتذكير فقط فإن أي انقسام حصل في المنظمات الكردية اجتمع فيه و دفع إليه المخطط الأمني و الأنانية المريضة و الأفق التحزبي الضيق و عصبية الريف المتخلفة ، و على أولئك الذين شقوا صفوف منظماتهم ، أو شجعوا هذه الظاهرة أو قدموا أي دعم أو مساندة للعناصر الفاعلة في عمليات الانشقاق أن يختاروا بأنفسهم الخانة التي تناسبهم .
و لكي لا يستشف من كل ما أوردناه ، أننا نثبط الهمم، و نحبط الآمال ، و نزرع اليأس في النفوس ، و نقف في وجه محاولات من الممكن ان تسفر عن نتائج مرجوة ، فإننا نعتقد أن الأمر يجب أن لا يتوقف عند طرح المشاريع و تسجيل المواقف ، و التلاعب بعواطف الأبرياء من الوطنيين ، و جرهم إلى مواقع تسيئ إلى مكانتهم ، و إشراكهم في مشاريع لا تتوفر لها مقومات الحياة ، و تحميل هذا الطرف أو غيره مسؤولية الاخفاق ، بل يتعدى إلى القائمين عليه بأن يتحلوا بالصدق مع أنفسهم ، و بالاخلاص في العمل ، و بالالتزام بحس الجماهير ، ونرى بأن أي مشروع فردي أوجماعي ، كبر او صغر ، و في أي شأن من شؤون الحياة ، و لكي يبصر النور ، و يؤدي الغرض المرجو منه ، فإنه يتوجب توفر شرطين لا ثالث لهما :
1 – الإرادة الصادقة و المخلصة
2- القرار المستقل
و بعيدا عن التشهير بأحد ، أو الانتقاص من وطنيته ، أو وضعه في دائرة التساؤول و التشكيك ، فإننا نعتقد ان هذين الشرطين لا يتوفران لا في القائمين على أمر كل من التقدمي و الوحدة ، و لا في أولئك الذين يقودون المنظمات الكردية الأخرى ، فنحن نعتقد أنه ولكي يتوفر ذلك فإن من المفروض أن تمتلك هذه المنظمات من الإمكانات و من التأييد الداخلي و الخارجي ما يوازي أو يزيد عن الضغط التي تتعرض له من السلطة الحاكمة ، و لا نعتقد أنها تمتلك ذلك الآن ، أو أنها ستتمكن منه في المدى المنظور ، فالقضية الكوردية باعتبارها قضية سياسية ، لشعب مسلوب الإرادة ، و يتعرض لصنوف من المشاريع العنصرية التي تهدد وجوده ، لم تتعد حدود المنطقة الكردية بعد ، و لم يسمع بها الجماهير غير المسيسة في درعا و في حمص ، و لم تلق بظلالها على الإنسان السوري خارج المنطقة الكردية ، ناهيك عن دخولها المحافل السياسية العالمية ، و دائرة المصالح الدولية ، و على ذلك فإن المشهد السياسي للمنظمات الكردية في هذا القسم من كردستان ، سيظل يتسم بالركود ، و بالعزلة ، و بالفوضى ، و بظهور المزيد من الأسماء ، و بعدم التناسق و الانسجام في المواقف ، و في الاصطفافات ، و بكثير من الكلام و الطروحات و المشاريع ، و بقليل من العمل ، و من التحرك الميداني المنسجم مع الحدث ، إلى أن يتبلور حراك سياسي مؤثر يدفع بالوضع السياسي في سوريا عموما إلى الأفضل ، و يكون للأكراد فيه نصيب يتناسب و حجمهم و يلبي الحد الأدنى من حقوقهم المشروعة ، أو أن تتطور الأحداث بوتيرة غير مترقبة ، و بآلية غير محسوبة في العالم أو في كردستان ، تؤثر على مجمل االأوضاع في المنطقة و في الوضع السوري ايضا ، أما ما عدا ذلك فإن القضية الكردية ستبقى موكولة إلى الأفرع الأمنية ، و سيظل المحترفون في المنظمات الكردية يتعاملون مع هذه الأفرع دون غيرها ، يتحركون في دوائرها المرسومة ، و بشهادة من الأستاذ حميد نفسه.
ففي مقابلة له مع مجلة آسو ، و أثناء زيارته لكردستان العراق في السنة الماضية ، ذكر الأستاذ حميد بأن : (الأحزاب الكردية في سوريا ، و منذ أربعين سنة ، تدار من قبل الأجهزة الأمنية ) .
و أنا أصدق الرجل ، و أقدر آراءه و مواقفه ، فهو يعرف ماذا يقول ، و هو يستند إلى تجربة تمتد لأكثر من نصف قرن ، و أنا أكنّ للأستاذ حميد تقديرا و احتراما خاصين : لأنه ينتمي إلى جيل الرواد في الوعي القومي ، و يكفيه شرفا أنه أحد مؤسسي أول تنظيم سياسي كردي في الجزء السوري من كردستان ، أضف إلى ذلك ، فإن الرجل يتميز عن أقرانه و عن المحيطين به و ممن ارتموا في أحضانه ، أو تمسكوا بجلابيبه ، أنه صادق مع نهجه ، و يكشف عن علاقاته ، و لقاءاته ، و رؤاه ، من غير مواربة و لاحرج ، بعيدا عن المزاودة ، يقول في الجمع ما يُسرّ به خاصته .
و إذا كان الأستاذ حميد قد فاته أن يوضح كيفية إدارة الأجهزة الأمنية للمنظمات الكردية طيلة هذه العقود ، فأنا أستميحه عذرا فأضيف : بأن إدارة تلك الأجهزة لم تثبت على شكل واحد من التعامل منذ نهاية الخمسينيات و حتى اليوم ، و إنما تكيفت مع تبدل الأحوال ، و إذا كان عمل تلك الأجهزة قد انحصر منذ بداية التأسيس و حتى نهاية العقد السابع من القرن الماضي ، في العمل على اختراق المنظمات الكردية ، و ملاحقة و اعتقال العناصر النشطة فيها ، بقصد التعرف على المنضوين فيها و جمع المعلومات عن هيئاتها و عن شخصياتها لمعرفة تحركاتها و علاقاتها و توجهاتها ، بغية احتوائها و ضبطها ، و وضعها تحت السيطرة ، إلا أنه و ابتداء من عقد الثمانينيات من القرن المنصرم و حتى يومنا هذا ، فإن المنظمات الكردية نفسها ، وفرت على تلك الأجهزة مشقة التنقيب و التفحيص و البحث و المراقبة المكلفة ، فقد دبت الخلافات بين تلك المنظمات بصورة غير منطقية و غير مألوفة و انقسمت على نفسها و تكاثرت بشكل غير مفهوم ، و تبعثرت في الأزقة و الشوارع ما تبقى لها من أسرار ، و فقدت معها ما تبقى لها من هيبة و امتداد ، و أصبحت تلعق جراحها ، و تقضي الوقت في مهاترات لا طائل من ورائها ، و بذلك بات على الأجهزة الأمنية من السهولة بمكان ترويضها ، و تدجينها ، و وضع أطر لحركتها لا تتجاوزها ، و أنا أعتقد جازما أن هذه المبادرة لا تخرج هي الأخرى عن هذه الأطر التي ذكرناها ، و لو أنني لا أرى أن المشكلة تبدأ من هنا ، فهي لا تشكل بنظري إلا الجزء اليسير من المعضلة ، و أرى مضطرا أن أعود إلى الوراء ، و سأقبل أي نقد يصمني بأنني أسير الماضي ، و بأنني لا أريد الخروج منه ، و هو كلام منطقي أقبل به ، إذ يتوجب علينا أن نتطلع إلى الأمام ، و أن نتحسب للمستقبل ، و أننا إذا بقينا نتصيد الأخطاء ، و نقف عند التجارب الفاشلة ، فإننا لن ندرك قطار الزمن إلى الأبد ، بعد أن تجاوزنا بعقود .
إلا أننا نعود فنقول : إن الشعوب التي تجاوزت مآسيها ، و نكباتها ، و وضعت خلف ظهرها ، ما لحقها من دمار و عذاب ، انطلقت إلى الأمام بنفَس جديد ، و بعقلية جديدة ، و بتفكير استوعب تجربة الماضي ، و تسلحت بعدة الانطلاق إلى المستقبل ، و اعترف قادتها بأخطائهم فأقصوا أنفسهم ، أو تم إقصاءهم ، و أوجدت من التغيير ما يكفي لأن تنهض من جديد ، فواكبت الأحداث ، أما نحن فلم نحرك ساكنا في هذا الاتجاه ، فالوجوه التي نقع عليها صباح مساء ، لم تتبدل منذ عقود ، و الأسماء التي نتداولها شفاها و كتابة لم تتغير منذ القرن الماضي ، و الذين تكتلوا في منظماتهم ، ثم أجهزوا عليها فشطروها ، لا زالوا يصرون على أنهم يمثلون قضيتنا ، و من غير أن يقدموا اعتذارا ، أو أن يحاسبوا أنفسهم ، أو أن تتم محاسبتهم على تلك الجريمة ، إنهم مسؤولون اولا و آخرا عن الحالة المتردية التي تعيشها الساحة السياسية الكردية ، إنك تراهم في هذا اليوم يأتلفون و في اليوم التالي يتحالفون و في الذي يله يختلفون ثم يتخاصمون و ينقسمون ، و في كل مرة نصبح فيها على أسماء تنظيمات جديدة نحتاج فيها إلى أكثر من مرشد و مفسر و خبير يوضح لنا ما التبس علينا ، و لا ينتظرون وقتا طويلا حتى يخرجوا إلينا بطروحات جديدة و بمشاريع موعودة و يطالبوننا بتقديم الدعم و التأييد ، و مع أن الغلبة الغالبة من هؤلاء منقسمة عن تنظيماتها و عن بعضها إلا أنها لا تكف عن الدعوة إلى وحدة الصف و الكلمة والموقف ، و صدق من قال : شر البلية ما يضحك ، ففي أواخر العقد الثامن من القرن الماضي ، شقت ثلاث مجموعات صفوف أحزابها ، ثم ائتلفت فيما بينها و تلفعت بعباءة الوحدة ، و مع أنها عاودت فانقسمت على نفسها ، إلا أنها لم تتخل عن صبغتها الوحدوية ، و لأنها لم تعثر في الكردية على مرادفات للكلمة تكفي عددها ، لجأت إلى لغات أخرى للتأكيد على هذه النزعة المتأصلة فيها.
يا سيدي : إذا كانت قلة قليلة احترفت السياسة ، و انغمست في مصالحها ، و فضلت الشهرة الزائفة على مستقبل شعب بأكمله ، و انعزلت عن محيطها ، و عن الجماهير و قضاياها ، و بات هاجسها الأول الاحتفاظ بمواقع لا تسمن و لا تغني من جوع ، و ترى أن من حقها أن تخرج في كل مرة بطروحات و بمشاريع جديدة قديمة ، تتيح لها الاستمرار في الضحك على ذقون الأبرياء من الوطنيين ، فإن من حقنا أيضا أن نتأنى ، و أن نتمعن ، و أن نتحرى ، و أن نقول ما نقتنع به ، و أن نعيد على أسماععهم ما أتحفنا به الأستاذ حميد : يا عزيزي : إذا كنت جادا و مخلصا و مؤمنا بضرورة بناء مرجعية ، فلماذا قضيت على مرجعية كانت قائمة ، و كانت حصيلة جهود مشتركة من أغلب المنظمات الكردية الفاعلة وقتها ، و عبرت عن توجهات و قناعات المنضوين فيها ، إلا أن ذلك لم يرق لك ، حملت معاولك ، و رحت تحطم في البنيان ، حتى لم تبق حجرا على حجر ، و ما أن انتهيت ، حتى ارتفع منك الصوت ثانية ، تدعو إلى بناء مرجعية كردية جديدة – هو لعب عيال –
إننا نرى أن الأرضية اللازمة ، و عوامل النجاح و الديمومة لطروحات و مشاريع من هذا القبيل غير قائمة في الوقت الراهن و لأسباب عديدة : فالذين يتقدمون صفوف المنظمات الكردية فقدوا ثقة الجماهير ، و افتقدوا الثقة فيما بينهم ، هذا من جهة ، و من جهة أخرى ، فإنه من الصعوبة بمكان إن لم يكن مستحيلا ، أن يجتمع هذا العدد الكبير من المنظمات المتباينة نفوذا و توجهات و امتدادات و علاقات على طاولة واحدة ، و ليس غريبا أن نشهد المزيد من الولادات و الانقسامات و لما تبدأ الخطوة الأولى ، أضف إلى ذلك أن الذين يطرحون هذه المشاريع يفتقرون إلى عاملين مهمين : الإرادة و القرار المستقل .
و حتى لو تجاوزنا كل ذلك نظريا ، و شهدت مرجعية جديدة النور ، فمن يضمن أنها لن تتعرض هي الأخرى إلى التخريب و الهدم ، كما حصل لسابقتها ، فأولئك الذين لم يترددوا في تصفية رفاقهم ، و تقسيم منظماتهم ، و ضرب حلفائهم ، و تمزيق اوصال التحالف ، لن يكونوا أكثر إنصافا مع المرجعية الجديدة المنشودة .
إلا أن ما حدث مؤخرا من تحريك للمياه الآسنة ، في مستنقع المنظمات الكردية ، من قبل كل من التتقدمي و الوحدة ، دفعنا لأن نتمعن أكثر في الحالة ، خاصة و أن الأمر لم يقتصر على منتسبي تينك المنظمتين ، بل تعدى إلى لفيف من القريبين إلى العمل التحزبي ، و إلى قلة ممن لا يزالون يراهنون على بقية من امل ، مما أضفى على الدعوة في هذه المرة طابعا من الجدية ، و شعورا من أن هاتين المنظمتين لديهما من الجدية و الاهتمام و الاصرار لأن تدفعا بهذا المشروع قدما ، و إن تعثرت منهما الخطوات فإنهما براء من النتيجة ، و يكفيهما من الثواب شرف المبادرة .
و حتى لا يتهمنا أحد بنظرية المؤامرة ، و يحملنا فشل المشروع و لما يبصر النور ، و يتهمنا بأن الأمور كانت ستسير في مساراتها السليمة ، لو لا أننا وضعنا العصا الأولى في دولاب هذا التحرك بقصد لجمه ، و إيقافه فإننا نقول : إننا نتمنى لأي مشروع يهدف إلى وحدة الكلمة ، و وحدة الصف الكردي ، و تجميع الامكانات كليا أو جزئيا ، كل التقدم و الاستمرارية ، و نؤكد على أن من واجب الجميع و باختلاف الانتماءات و التوجهات ، تقديم الدعم و المساندة في هذا الاتجاه ، و لكننا نرى أيضا أن من حقنا أن نقف على الأحداث و أن نمعن فيها ، طالما أنها تلامسنا ، و أن نبدي رأيا قد يجانب مزاج قلة قليلة ، إلا أنه لا يجب أن نحمله أكثر مما يحتمل ، و لا أن نضعه في خانة المتعاملين مع الامبريالية و الاستعمار ، فقد يشط بنا الفكر ، و نفشل في إصابة الحقيقة ، و لكن النية تبقى سليمة ، و تظل الدوافع نقية ، و يبقى من حقنا أن نتساءل عن مغزى أن ينهض كلا من التقدمي و الوحدة بهذه المهمة ؟ و يحشدا لها هذا الجمع ؟ و الآن ؟ و بعد أن خفتت الأصوات الأخرى ؟ و لماذا مرجعية جديدة ……..
(ما احنا كنا طيبين) كما يقول المصريون ، و للأستاذ حميد أيضا قول في السياق : (طيب عزيزي .
إذا كنت تريد الوحدة و الاتحاد ، لماذا انفصلت عن حزبك إذا ؟) المرجعية كانت موجودة (التحالف) و قد ساهم هذان الطرفان في تأسيسها من الألف إلى الياء ، و قد كانت تضم الأغلبية الفاعلة من المنظمات الحزبية الموجودة وقتها ، و قد كان من الممكن أن تأتلف البقية الباقية معها بقليل من الصبر و تحمل للمسؤولية ، فلماذا نسفها الأستاذ حميد و من جلسوا في حضنه مع أول فرصة سنحت لهم ؟ فاقتنصوا عصفورين بحجر واحد : دعم و تعميق الخلاف في البارتي و دفعه باتجاه الانقسام ، و تفريغ التحالف من زخمه بتجريده من مقومات التأثير و الفاعلية و الاستمرار على الشكل الذي تم تأسيسه و للأهداف التي بني من اجلها ، و مع أن هاتين المنظمتين حاولتا نفخ الروح فيه و بأكثر من صورة إلا أن ذلك كله لم ينفع و ما الدعوة الجديدة من التقدمي و الوحدة إلى بناء مرجعية جديدة ، إلا إقرار بترقين قيد التحالف و لو أن البعض أدرك ذلك متأخرا .
و حتى يكتمل المشهد ، و نكون منصفين ، فإن ردة الفعل الثأرية القبلية لدى البارتي ، باحتضان المنشقين عن منظمة الأستاذ حميد ، و تأسيس بنيان جديد ، أطلقوا عليه اسم الجبهة ، لم تكن أقل تأثيرا في تفتيت أوصال المنظمات الكردية ، و تهميشها و عزلتها ، نقول ذلك ليس انتقاصا من قيمة و من مكانة الذين انشقوا عن الأستاذ حميد ، و فيهم من أمضى عمره في النضال ، و تعرض للسجن و للملاحقة و لقسوة الحياة ، و لكن انطلاقا من مبدأ عدم التدخل السلبي في أي خلاف ينشب في منظمة كردية ، ناهيك عن تسعير أوارها و دفع الخلاف باتجاه التعميق وصولا إلى التقسيم ، و إلى حدوث ولادات جديدة غير طبيعية ، أتخمت ساحة التحزب الكردية ، و للتذكير فقط فإن أي انقسام حصل في المنظمات الكردية اجتمع فيه و دفع إليه المخطط الأمني و الأنانية المريضة و الأفق التحزبي الضيق و عصبية الريف المتخلفة ، و على أولئك الذين شقوا صفوف منظماتهم ، أو شجعوا هذه الظاهرة أو قدموا أي دعم أو مساندة للعناصر الفاعلة في عمليات الانشقاق أن يختاروا بأنفسهم الخانة التي تناسبهم .
و لكي لا يستشف من كل ما أوردناه ، أننا نثبط الهمم، و نحبط الآمال ، و نزرع اليأس في النفوس ، و نقف في وجه محاولات من الممكن ان تسفر عن نتائج مرجوة ، فإننا نعتقد أن الأمر يجب أن لا يتوقف عند طرح المشاريع و تسجيل المواقف ، و التلاعب بعواطف الأبرياء من الوطنيين ، و جرهم إلى مواقع تسيئ إلى مكانتهم ، و إشراكهم في مشاريع لا تتوفر لها مقومات الحياة ، و تحميل هذا الطرف أو غيره مسؤولية الاخفاق ، بل يتعدى إلى القائمين عليه بأن يتحلوا بالصدق مع أنفسهم ، و بالاخلاص في العمل ، و بالالتزام بحس الجماهير ، ونرى بأن أي مشروع فردي أوجماعي ، كبر او صغر ، و في أي شأن من شؤون الحياة ، و لكي يبصر النور ، و يؤدي الغرض المرجو منه ، فإنه يتوجب توفر شرطين لا ثالث لهما :
1 – الإرادة الصادقة و المخلصة
2- القرار المستقل
و بعيدا عن التشهير بأحد ، أو الانتقاص من وطنيته ، أو وضعه في دائرة التساؤول و التشكيك ، فإننا نعتقد ان هذين الشرطين لا يتوفران لا في القائمين على أمر كل من التقدمي و الوحدة ، و لا في أولئك الذين يقودون المنظمات الكردية الأخرى ، فنحن نعتقد أنه ولكي يتوفر ذلك فإن من المفروض أن تمتلك هذه المنظمات من الإمكانات و من التأييد الداخلي و الخارجي ما يوازي أو يزيد عن الضغط التي تتعرض له من السلطة الحاكمة ، و لا نعتقد أنها تمتلك ذلك الآن ، أو أنها ستتمكن منه في المدى المنظور ، فالقضية الكوردية باعتبارها قضية سياسية ، لشعب مسلوب الإرادة ، و يتعرض لصنوف من المشاريع العنصرية التي تهدد وجوده ، لم تتعد حدود المنطقة الكردية بعد ، و لم يسمع بها الجماهير غير المسيسة في درعا و في حمص ، و لم تلق بظلالها على الإنسان السوري خارج المنطقة الكردية ، ناهيك عن دخولها المحافل السياسية العالمية ، و دائرة المصالح الدولية ، و على ذلك فإن المشهد السياسي للمنظمات الكردية في هذا القسم من كردستان ، سيظل يتسم بالركود ، و بالعزلة ، و بالفوضى ، و بظهور المزيد من الأسماء ، و بعدم التناسق و الانسجام في المواقف ، و في الاصطفافات ، و بكثير من الكلام و الطروحات و المشاريع ، و بقليل من العمل ، و من التحرك الميداني المنسجم مع الحدث ، إلى أن يتبلور حراك سياسي مؤثر يدفع بالوضع السياسي في سوريا عموما إلى الأفضل ، و يكون للأكراد فيه نصيب يتناسب و حجمهم و يلبي الحد الأدنى من حقوقهم المشروعة ، أو أن تتطور الأحداث بوتيرة غير مترقبة ، و بآلية غير محسوبة في العالم أو في كردستان ، تؤثر على مجمل االأوضاع في المنطقة و في الوضع السوري ايضا ، أما ما عدا ذلك فإن القضية الكردية ستبقى موكولة إلى الأفرع الأمنية ، و سيظل المحترفون في المنظمات الكردية يتعاملون مع هذه الأفرع دون غيرها ، يتحركون في دوائرها المرسومة ، و بشهادة من الأستاذ حميد نفسه.
ففي مقابلة له مع مجلة آسو ، و أثناء زيارته لكردستان العراق في السنة الماضية ، ذكر الأستاذ حميد بأن : (الأحزاب الكردية في سوريا ، و منذ أربعين سنة ، تدار من قبل الأجهزة الأمنية ) .
و أنا أصدق الرجل ، و أقدر آراءه و مواقفه ، فهو يعرف ماذا يقول ، و هو يستند إلى تجربة تمتد لأكثر من نصف قرن ، و أنا أكنّ للأستاذ حميد تقديرا و احتراما خاصين : لأنه ينتمي إلى جيل الرواد في الوعي القومي ، و يكفيه شرفا أنه أحد مؤسسي أول تنظيم سياسي كردي في الجزء السوري من كردستان ، أضف إلى ذلك ، فإن الرجل يتميز عن أقرانه و عن المحيطين به و ممن ارتموا في أحضانه ، أو تمسكوا بجلابيبه ، أنه صادق مع نهجه ، و يكشف عن علاقاته ، و لقاءاته ، و رؤاه ، من غير مواربة و لاحرج ، بعيدا عن المزاودة ، يقول في الجمع ما يُسرّ به خاصته .
و إذا كان الأستاذ حميد قد فاته أن يوضح كيفية إدارة الأجهزة الأمنية للمنظمات الكردية طيلة هذه العقود ، فأنا أستميحه عذرا فأضيف : بأن إدارة تلك الأجهزة لم تثبت على شكل واحد من التعامل منذ نهاية الخمسينيات و حتى اليوم ، و إنما تكيفت مع تبدل الأحوال ، و إذا كان عمل تلك الأجهزة قد انحصر منذ بداية التأسيس و حتى نهاية العقد السابع من القرن الماضي ، في العمل على اختراق المنظمات الكردية ، و ملاحقة و اعتقال العناصر النشطة فيها ، بقصد التعرف على المنضوين فيها و جمع المعلومات عن هيئاتها و عن شخصياتها لمعرفة تحركاتها و علاقاتها و توجهاتها ، بغية احتوائها و ضبطها ، و وضعها تحت السيطرة ، إلا أنه و ابتداء من عقد الثمانينيات من القرن المنصرم و حتى يومنا هذا ، فإن المنظمات الكردية نفسها ، وفرت على تلك الأجهزة مشقة التنقيب و التفحيص و البحث و المراقبة المكلفة ، فقد دبت الخلافات بين تلك المنظمات بصورة غير منطقية و غير مألوفة و انقسمت على نفسها و تكاثرت بشكل غير مفهوم ، و تبعثرت في الأزقة و الشوارع ما تبقى لها من أسرار ، و فقدت معها ما تبقى لها من هيبة و امتداد ، و أصبحت تلعق جراحها ، و تقضي الوقت في مهاترات لا طائل من ورائها ، و بذلك بات على الأجهزة الأمنية من السهولة بمكان ترويضها ، و تدجينها ، و وضع أطر لحركتها لا تتجاوزها ، و أنا أعتقد جازما أن هذه المبادرة لا تخرج هي الأخرى عن هذه الأطر التي ذكرناها ، و لو أنني لا أرى أن المشكلة تبدأ من هنا ، فهي لا تشكل بنظري إلا الجزء اليسير من المعضلة ، و أرى مضطرا أن أعود إلى الوراء ، و سأقبل أي نقد يصمني بأنني أسير الماضي ، و بأنني لا أريد الخروج منه ، و هو كلام منطقي أقبل به ، إذ يتوجب علينا أن نتطلع إلى الأمام ، و أن نتحسب للمستقبل ، و أننا إذا بقينا نتصيد الأخطاء ، و نقف عند التجارب الفاشلة ، فإننا لن ندرك قطار الزمن إلى الأبد ، بعد أن تجاوزنا بعقود .
إلا أننا نعود فنقول : إن الشعوب التي تجاوزت مآسيها ، و نكباتها ، و وضعت خلف ظهرها ، ما لحقها من دمار و عذاب ، انطلقت إلى الأمام بنفَس جديد ، و بعقلية جديدة ، و بتفكير استوعب تجربة الماضي ، و تسلحت بعدة الانطلاق إلى المستقبل ، و اعترف قادتها بأخطائهم فأقصوا أنفسهم ، أو تم إقصاءهم ، و أوجدت من التغيير ما يكفي لأن تنهض من جديد ، فواكبت الأحداث ، أما نحن فلم نحرك ساكنا في هذا الاتجاه ، فالوجوه التي نقع عليها صباح مساء ، لم تتبدل منذ عقود ، و الأسماء التي نتداولها شفاها و كتابة لم تتغير منذ القرن الماضي ، و الذين تكتلوا في منظماتهم ، ثم أجهزوا عليها فشطروها ، لا زالوا يصرون على أنهم يمثلون قضيتنا ، و من غير أن يقدموا اعتذارا ، أو أن يحاسبوا أنفسهم ، أو أن تتم محاسبتهم على تلك الجريمة ، إنهم مسؤولون اولا و آخرا عن الحالة المتردية التي تعيشها الساحة السياسية الكردية ، إنك تراهم في هذا اليوم يأتلفون و في اليوم التالي يتحالفون و في الذي يله يختلفون ثم يتخاصمون و ينقسمون ، و في كل مرة نصبح فيها على أسماء تنظيمات جديدة نحتاج فيها إلى أكثر من مرشد و مفسر و خبير يوضح لنا ما التبس علينا ، و لا ينتظرون وقتا طويلا حتى يخرجوا إلينا بطروحات جديدة و بمشاريع موعودة و يطالبوننا بتقديم الدعم و التأييد ، و مع أن الغلبة الغالبة من هؤلاء منقسمة عن تنظيماتها و عن بعضها إلا أنها لا تكف عن الدعوة إلى وحدة الصف و الكلمة والموقف ، و صدق من قال : شر البلية ما يضحك ، ففي أواخر العقد الثامن من القرن الماضي ، شقت ثلاث مجموعات صفوف أحزابها ، ثم ائتلفت فيما بينها و تلفعت بعباءة الوحدة ، و مع أنها عاودت فانقسمت على نفسها ، إلا أنها لم تتخل عن صبغتها الوحدوية ، و لأنها لم تعثر في الكردية على مرادفات للكلمة تكفي عددها ، لجأت إلى لغات أخرى للتأكيد على هذه النزعة المتأصلة فيها.
يا سيدي : إذا كانت قلة قليلة احترفت السياسة ، و انغمست في مصالحها ، و فضلت الشهرة الزائفة على مستقبل شعب بأكمله ، و انعزلت عن محيطها ، و عن الجماهير و قضاياها ، و بات هاجسها الأول الاحتفاظ بمواقع لا تسمن و لا تغني من جوع ، و ترى أن من حقها أن تخرج في كل مرة بطروحات و بمشاريع جديدة قديمة ، تتيح لها الاستمرار في الضحك على ذقون الأبرياء من الوطنيين ، فإن من حقنا أيضا أن نتأنى ، و أن نتمعن ، و أن نتحرى ، و أن نقول ما نقتنع به ، و أن نعيد على أسماععهم ما أتحفنا به الأستاذ حميد : يا عزيزي : إذا كنت جادا و مخلصا و مؤمنا بضرورة بناء مرجعية ، فلماذا قضيت على مرجعية كانت قائمة ، و كانت حصيلة جهود مشتركة من أغلب المنظمات الكردية الفاعلة وقتها ، و عبرت عن توجهات و قناعات المنضوين فيها ، إلا أن ذلك لم يرق لك ، حملت معاولك ، و رحت تحطم في البنيان ، حتى لم تبق حجرا على حجر ، و ما أن انتهيت ، حتى ارتفع منك الصوت ثانية ، تدعو إلى بناء مرجعية كردية جديدة – هو لعب عيال –
إننا نرى أن الأرضية اللازمة ، و عوامل النجاح و الديمومة لطروحات و مشاريع من هذا القبيل غير قائمة في الوقت الراهن و لأسباب عديدة : فالذين يتقدمون صفوف المنظمات الكردية فقدوا ثقة الجماهير ، و افتقدوا الثقة فيما بينهم ، هذا من جهة ، و من جهة أخرى ، فإنه من الصعوبة بمكان إن لم يكن مستحيلا ، أن يجتمع هذا العدد الكبير من المنظمات المتباينة نفوذا و توجهات و امتدادات و علاقات على طاولة واحدة ، و ليس غريبا أن نشهد المزيد من الولادات و الانقسامات و لما تبدأ الخطوة الأولى ، أضف إلى ذلك أن الذين يطرحون هذه المشاريع يفتقرون إلى عاملين مهمين : الإرادة و القرار المستقل .
و حتى لو تجاوزنا كل ذلك نظريا ، و شهدت مرجعية جديدة النور ، فمن يضمن أنها لن تتعرض هي الأخرى إلى التخريب و الهدم ، كما حصل لسابقتها ، فأولئك الذين لم يترددوا في تصفية رفاقهم ، و تقسيم منظماتهم ، و ضرب حلفائهم ، و تمزيق اوصال التحالف ، لن يكونوا أكثر إنصافا مع المرجعية الجديدة المنشودة .