في مواجهة التشظي والفوضى: من يستعيد الدولة السورية؟

اكرم حسين 

 

تمضي سوريا في أحد أكثر مراحلها التاريخية تعقيداً، حيث تتزاحم الأزمات وتتداخل التحديات في مشهد يشبه الركام. نظام قمعي راحل خلّف دولة فاشلة ، واقتصاداً مفلساً، ونسيجاً وطنياً ممزقاً، وأرضاً مباحة لكل من يريد الاستثمار في الفوضى والدم.

لكن ما بعد السقوط لا يجب أن يكون سقوطاً آخر. ما نحتاجه اليوم ليس مجرّد حكومة جديدة، بل مشروعاً وطنياً حقيقياً، قادراً على إعادة الاعتبار لفكرة الدولة، بعد أن تحولت مؤسساتها إلى أدوات قمع، وتحولت الوطنية إلى شعار فارغ تتستر خلفه مشاريع التبعية والتقسيم.

إن دعم الحكومة الانتقالية في هذه المرحلة المفصلية يجب أن يكون بوصفها نواة ممكنة لبناء جديد، لا مجرد إدارة مؤقتة. حكومة تعمل على إعادة بسط السيادة الوطنية على كامل الجغرافيا السورية، وتتصدى لمخططات التفتيت، وتعيد ترتيب أولويات الدولة لتكون في خدمة الناس لا في مواجهتهم.

هذا الانتقال لا يمكن أن ينجح من دون عقد اجتماعي جديد، يضمن حرية التنظيم السياسي، ويحمي التعددية، ويشرعن الحياة الحزبية ضمن أطر قانونية عادلة، تضع حداً لعقود من الإقصاء والاستئثار، وتفتح الباب أمام السوريين للمشاركة الفعلية في تقرير مصيرهم.

وفي قلب هذا المشروع لا بد من إعادة الاعتبار للمواطن، لا بوصفه مجرد رقم في سجلات الحرب، بل كغاية لكل إصلاح. السوري اليوم يحتاج إلى ما هو أكثر من وعود: إلى خبز، ودواء، وأمن، وكرامة. مؤسسات الدولة يجب أن تتوقف عن كونها عبئاً بيروقراطياً أو مركزاً للفساد، لتعود كما يجب أن تكون: أداة لحماية المجتمع وخدمته.

إن ما يُطرح هنا ليس مجرد موقف سياسي، بل نداء صريح لإنقاذ ما تبقى من وطن، واستعادة المبادرة من أيدي أولئك الذين استثمروا في دم السوريين، وسرقوا أحلامهم، وعطلوا مشروع الدولة لصالح مشاريعهم الضيقة.

سوريا بحاجة إلى من يؤمن بها أولاً، وبوحدتها، وبحق أبنائها في أن يكون لهم وطن يليق بتضحياتهم. والمسؤولية اليوم ليست على طرف دون سواه، بل على كل من يرى في سوريا أكثر من جغرافيا، وأكثر من توازنات إقليمية.

الفرصة لا تزال قائمة. لكنها لن تبقى طويلاً.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…