فالمؤتمر الذي لم يدم أكثر من أربع و عشرين ساعة , خلافاً للمؤتمر السابق الذي دام ثلاث أيام , إنتهى من دون إنتخاب لجنة سياسية كما كان مقرراً , أو كما هي العادة في المؤتمرات الإعتيادية للأحزاب السياسية , بسبب عدم ترشح أغلبية أعضاء اللجنة السياسية , إعتراضاً على إقرار تسمية الحزب بالكردستاني, و الحكم الذاتي كحل سياسي للقضية الكردية في سوريا , اللذين حسمتهما أصوات اكثر من ثلثي أعضاء المؤتمر.
و بعد أن تبين أن الحزب أمام خيارين لا ثالث لهما: المضي في الطرح الجديد حتى لو كلف ذلك الحزب وحدته , و إما وحدة الحزب مقابل التضحية بالقررات الجديدة , عقد إجتماع أخر بحضور أغلب أعضاء اللجنة السياسية , في يوم الثلاثاء, أسفر عن توافق لصالح وحدة الحزب , يقوم على إلغاء القرارات التي أعتمدت في المؤتمر , بعد أن تم الإتفاق على الحكم الذاتي , وعدم تغيير إسم الحزب من يكيتي الكردي الى يكيتي الكردستاني.
لا شك أن أموراً غريبة حدثت في المؤتمر السادس لحزب يكيتي يستدعي التأمل فيها, و التوقف عند النتائج و التداعيات التي ستسفر عنها , فيما يتعلق بنهج الحزب و مواقف قيادته في المرحلة المقبلة.
ففي الوقت الذي يفترض فيه الإلتزام بقرارات أعلى سلطة حزبية , جرت العادة في حزب يكيتي , كما في باقي الأحزاب الكردية الأخرى , أن تبادر قيادة الحزب في أول ظهور لها الى نقض قرارات مؤتمرها و ضربها عرض الحائط .
فقد تم إقرار الكردستاني في إسم الحزب من قبل 80 عضو في المؤتمر الذي حضره 97 مشاركا ًفقط , و مع ذلك تم إلغاءه , و هو ما يدعونا الى التساؤل عن جدوى عقد المؤتمرات الحزبية, و أهميتها في مراجعة السياسات و المواقف و إتخاذ قرارات و توصيات جديدة على ضوء المتغيرات و المستجدات الحاصلة , فضلاً عن مصداقية و مبدئية أعضاء حزبيين في القيادة و القاعدة , هم اول من يشعلون الحرائق و اول من يطفئونها.
الأمر الثاني الذي يدعونا الى التأمل في ما حصل في المؤتمر و ما بعده , هو التوافق الذي أضحى هدفاً في سلوك قيادة يكيتي , بدلاً ان يكون وسيلة, وأحدى ركائز إستمرار الحزب بوظيفته , وهو عادة ما نشهده في يكيتي عندما يتعرض الحزب الى عملية إبتزاز و تهديد من قبل بعض أعضاءه بحق أخرين.
لا شك أن التغير الذي حصل في موقف حسن صالح و مجموعة من حوله, لم يأت من فراغ , و إنما سببه وسائل التحذير والترهيب التي واجهه في إجتماع الثلاثاء , من قبيل أن الحزب من شأنه أن يواجه عملية تصفية شاملة على يد الأجهزة الأمنية في حال تم تثبيت القرارات التي أعتمدت في المؤتمر , و عدم إمكانية الحزب على مواجهة هذه الحملة في حال حصولها , و أن أصحابها لا بد أن يتحملوا مسؤولية عوائل و ذوي من طالبوا بإعتماد هذه القرارات.
الأمر الثالث هو غياب المشاريع السياسية عن مجمل موائد الحوار و التقاش , و إعتماد الصخب في مهرجان الشعارات , وهو ما حذرنا في السابق منه , على إعتبار أن الشعارت تعكس مطالب آنية في حين أن المشاريع السياسية تنطوي على آفق سياسي و إستراتيجي طويل الآمد.
و مع أن الشعارات الحالية لا تهدف إلى المطالب الأنية أيضاً , فهدا يعني , طالما أن أصحابها سرعان ما يتراجعون عنها , أن هؤلاء يرفعون تلك الشعارات من أجل تصفية حسابات مع رفاق أخرين لهم , و ليس من منطلق مبدئي و أخلاقي أو حتى وطني.
كما أن ما جرى من مساومات في يوم الثلاثاء يعني أن الحزب حسم أمره , و أن قيادته قررت الإنخراط , أو بالأحرى الإستسلام للأمر الواقع , القمعي و الإستبدادي من قبل النظام بحق الشعب الكردي , و بالتالي مسايرة المشروع التصفوي الذي يهيمن على المشهد السياسي الكردي , و إلا ما معنى الإلتزام بمساعي إنجاح مشروع المجلس السياسي على سبيل المثال كما جاء في بيان المؤتمر , بالرغم من موته عملياً.
ما حدث في المؤتمر السادس ليكيتي من خلافات و مشاحنات, أدت الى إنهاء المؤتمر من دون إتمام جدول أعماله و إنتخاب قيادة جديدة , وما تبعه من مساومات بين طرفي الصراع في إجتماع الثلاثاء , على حساب ما كانت تطمح إليه قاعدة وجماهير يكيتي , دليل اخر على إستحالة خلق حالة نضالية من رحم التنظيمات الكردية الحالية , بل أن إستمرار المراهنة عليها , من شأنها أن تغرقنا في مزيد من اليأس و فقدان الأمل في المستقبل.
9/12/2009