بين الطموح الشخصي والمصلحة الوطنية: قراءة في خطاب السيد صلاح بدرالدين

طه بوزان عيسى

 

في الساعات القليلة الماضية، وجهَ السيد صلاح بدر الدين خطاباً مفتوحاً إلى رئاسة الجمهورية والائتلاف الحاكم الجديد في دمشق، باسم ما يُعرف بـ”لجان تنسيق حراك بزاف”. وقد بدا من حيث الشكل، خطاباً وطنياً يدعو إلى الحوار والمؤتمر الجامع، لكنه في جوهره، يعكس نزعة فردية لمحاولة التموقع من جديد في مشهد سياسي كردي وسوري معقد، خصوصاً بعد التحولات الأخيرة في البلاد.

 

السيد بدرالدين شخصية معروفة في الوسط السياسي الكردي. شغل سابقاً موقع الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا، لكنه انفصل عنه منذ سنوات طويلة، ولم يتمكن منذ ذلك الحين من بناء أي قاعدة جماهيرية فاعلة. والأهم، أنه تحوّل إلى معارض دائم لكل الأحزاب الكردية، بغض النظر عن طبيعتها أو خلفيتها، حتى بات يوصف بأنه يقف “ضد الجميع” في آن واحد، وهو ما أفقده القدرة على التأثير، أو حتى التفاعل مع التطورات السياسية بواقعية.

 

في خطابه الأخير، يدعو بدرالدين إلى عقد مؤتمر كردي سوري جامع في دمشق، برعاية السلطة الجديدة. لا ضير في ذلك كمبدأ، بل ربما تكون هذه الفكرة مطلباً مشروعاً في ظل ما شهدته المناطق الكردية من تهميش وصراعات. لكن المثير للانتباه، هو محاولة القفز فوق الواقع السياسي والاجتماعي الكردي، وتقديم نفسه كبديل محتمل عن كل القوى الكردية القائمة، بذريعة أن “الأحزاب الحالية فاقدة للشرعية”.

 

هذا الطرح يثير جملة من الأسئلة:

 من يقرر شرعية التمثيل؟ هل تُمنح لشخص يقيم في ألمانيا ويقود حركة هامشية بلا امتداد حقيقي؟ أم تُبنى عبر صناديق الاقتراع والإرادة الشعبية؟

 وهل يكون الحوار الوطني شاملاً إذا بدأ بإقصاء جميع من هم على الأرض؟

 

ثمّة تناقض واضح في الخطاب. فهو من جهة يدعو إلى شراكة وطنية وتعددية، ومن جهة أخرى يتهم كل الأحزاب الكردية، وبخاصة المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، بأنهم سبب الأزمة الكردية، دون تمييز أو تفصيل. وهذا بالضبط ما كان يفعله النظام السابق: اختزال المشهد في ثنائية “معي أو ضدي”.

 

اللافت أيضاً هو هذا التوقيت الدقيق: بعد سقوط النظام، وقبيل إعادة ترتيب الخارطة السياسية في سوريا. ما يُقرأ كمحاولة للتموضع داخل السلطة الجديدة، من باب استثمار القضية الكردية، والتلويح بالشرعية “المستقلة”، رغم أن الشارع الكردي لم يفوض أحداً بذلك.

 

إن القضية الكردية في سوريا ليست بحاجة إلى وسطاء جدد، ولا إلى شخصيات منفردة تحاول تصدر المشهد عبر رسائل مفتوحة ومصطلحات فضفاضة. بل هي بحاجة إلى مشروع جماعي وطني حقيقي، يتسع للجميع، بما فيهم المعارضون والمستقلون، شرط أن ينطلقوا من الميدان، لا من الخارج، ومن التواضع السياسي، لا من نزعة احتكار “الأصالة” أو “التاريخ”.

 

ختاماً، قد تكون نوايا البعض حسنة، لكن الطريق إلى الجحيم كثيراً ما يكون مفروشاً بالنوايا الطيبة. والواقع السياسي السوري، والكردي تحديداً، لا يحتمل المزيد من الخطابات الشعبوية أو التحركات الفردية. ما يحتاجه اليوم هو وضوح في الرؤية، تواضع في الطرح، واحترام متبادل بين كل الأطراف .

٠٤/٠٤/٢٠٢٥

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في عالم السياسة، كما في الحياة اليومية عندما نقود آلية ونسير في الشوارع والطرقات ، ويصادفنا منعطف اونسعى إلى العودة لاي سبب ، هناك من يلتزم المسار بهدوء ، وهناك من “يكوّع” فجأة عند أول منعطف دون سابق إنذار. فالتكويع مصطلح شعبي مشتق من سلوك السائق الذي ينحرف بشكل مفاجئ دون إعطاء إشارة، لكنه في السياسة يكتسب…

إبراهيم اليوسف توطئة واستعادة: لا تظهر الحقائق كما هي، في الأزمنة والمراحل العصيبةٍ، بل تُدارُ-عادة- وعلى ضوء التجربة، بمنطق المؤامرة والتضليل، إذ أنه بعد زيارتنا لأوروبا عام 2004، أخذ التهديد ضدنا: الشهيد مشعل التمو وأنا طابعًا أكثر خبثًا، وأكثر استهدافًا وإجراماً إرهابياً. لم أكن ممن يعلن عن ذلك سريعاً، بل كنت أتحين التوقيت المناسب، حين يزول الخطر وتنجلي…

خوشناف سليمان ديبو بعد غياب امتدّ ثلاثة وأربعين عاماً، زرتُ أخيراً مسقط رأسي في “روجآفاي كُردستان”. كانت زيارة أشبه بلقاءٍ بين ذاكرة قديمة وواقع بدا كأن الزمن مرّ بجانبه دون أن يلامسه. خلال هذه السنوات الطويلة، تبدّلت الخرائط وتغيّرت الأمكنة والوجوه؛ ومع ذلك، ظلت الشوارع والأزقة والمباني على حالها كما كانت، بل بدت أشد قتامة وكآبة. البيوت هي ذاتها،…

اكرم حسين في المشهد السياسي الكردي السوري، الذي يتسم غالباً بالحذر والتردد في الإقرار بالأخطاء، تأتي رسالة عضو الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي، السيد سليمان أوسو، حيث نشرها على صفحته الشخصية ، بعد انعقاد “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي “، كموقف إيجابي ، يستحق التقدير. فقد حملت رسالته اعتذاراً صريحاً لمجموعة واسعة من المثقفين والأكاديميين والشخصيات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني،…