فكل قوى إعلان دمشق , ترفض مصطلح كردستان سوريا في وصف المناطق التي يعيش فيها الكرد تاريخياً , و يعتبرونها جزءاً من الوطن العربي الذي يشكل سوريا إحدى أقطارها الأساسية .
و هو ليس موقف إعلان دمشق فحسب, و إنما موقف جميع الأطر و الفعاليات السياسية و الثقافية العربية من القضية الكردية , و أسسها و مرتكزاتها التاريخية و الجغرافية و الإثنية.
و لا يجب علينا أن ننسى أن جبهة الخلاص الوطني , أيضاً , لم تخرج عن نطاق الفهم السائد في تناول القضية الكردية , من منطلق أنها قضية تحل في إطار الإصلاحات الديمقراطية في البلاد , و على أساس حق الشراكة المتساوية بين المواطنين السوريين في إدارة بلدهم , و ليس على أساس التنوع القومي في البلاد.
«المساواة» في إعلان دمشق , و «الشراكة» في جبهة الخلاص , كانتا وجهان لعملة واحدة , لم تخرجان عن الزاوية الضيقة , المحكومة بنزعة عنصرية شوفينية , في النظر الى القضية الكردية , و هو ما يبرر رفض و تحفظ الشارع الكردي من كل محاولات الأحزاب الكردية لتجاهل هذه الحقيقة البينة و الواضحة .
ففي السنوات الأخيرة الماضية , و جراء الموقع اللائق الذي تبوأه الحراك الديمقراطي الجماهيري الكردي في سوريا , تزايد الحديث عن القضية الكردية في سوريا , و إختلفت المواقف و الرؤى بصددها , بالرغم من غياب هذه القضية الحساسة عن إهتمام القوى الوطنية و الديمقراطية في البلاد لعقود من الزمن , رغم الإنتهاكات و التجاوزات الخطيرة , المدفوعة بنوازع شوفينية , المتشربة من إيديولوجية البعث وعقيدته الفاشية, بحق الشعب الكردي في سوريا.
و لعل إنتفاضة أذار و تضحيات الكرد الغالية في سبيل قضيتهم , كان لها الدور البارز, في إنتشال القضية من غياهب النسيان الى قمة الأولويات الوطنية.
و مع تصاعد هذا الحراك و تزايد الإهتمام الشعبي الكردي بالشأن العام, و الحاجة الى معرفة موقع قضيته في صميم هذا الشأن , تطورت المفاهيم الحقوقية الكردية , و إرتفع معها سقف المطالب , بما يتناسب مع حقيقة و طبيعة القضية الكردية في سوريا , التي تخص شعب في هذه البلاد , يمتلك كل مقومات و معطيات الإعتراف به , كشعب متميز , بشخصه و تاريخه و ثقافته و حضوره التاريخي , و يعيش فوق ارضه التاريخية , رغم التقسيم والتفكك الذي تعرض له , كباقي شعوب المنطقة , جراء الإتفاقات الإستعمارية في بدايات القرن العشرين من القرن الماضي بين القوى العظمى.
و أمام إنكشاف الحقائق و تبيانها , و ثبوت الحق القومي و الديمقراطي الكردي في سوريا , و مشاركة الكرد , بكل إمكاناتهم في الدفاع عن هذه البلاد , و العمل من أجل صون كرامتها و سيادتها و إستقلالها , لم تتحرك القوى العربية و الديمقراطية في موقفها من القضية الكردية من الإعتبارات السابقة , و إنما بقيت أسيرة الهواجس و المخاوف و الموقف المسبق المتحدد بسلوك التشكيك و الإرتياب , الأمر الذي دفعت بها , عند الحديث أو مناقشة تأسيس أي إطار سياسي جامع للقوى الوطنية و الديمقراطية المعارضة في البلاد ,.
إلى الإصرار على إعتبار هوية الدولة السورية , هوية عربية إسلامية , و سوريا جزء من الوطن العربي و الأمة العربية , بخلاف الحقائق التاريخية و الجغرافية و الديمغرافية , التي تؤكد أن سوريا , بلد متعدد القوميات و الأديان و المذاهب , و حصة كل مكون من مكوناته و مفرداته الوطنية و الإجتماعية , في بناء هذا الوطن السوري و رفع شأنه محفوظة في صفحات التاريخ و وجدان أبناءه.
و بالرغم من عدم إتفاقنا مع المطلب الذي خص به حزب يكيتي الكردي موتمره السادس من حيث المطالبة بالحكم الذاتي لكردستان سوريا, و ذلك بسبب جملة من العوامل و الظروف الذاتية و الموضوعية , التي تحدد السياسات , و إتخاذ القرارات الصعبة و الخطيرة , حتى لو كانت عادلة و مشروعة , و بسبب بعض الظواهر التي رافقت مناقشة هذه القرارات في يكيتي , على خلفية التناحرات الشخصية و الفئوية بين أعضاءها , التي سرعان ما إتخذ منحى أخر , قبل مؤتمره الخامس , و حتى الآن وهو إرداء تلك الخلافات , ثوباً سياسياً , تحت عنوان الخلاف الفكري و الإستراتيجي بين أطراف الصراع , نقول مع ذلك إلا أن الشعب الكردي , و حسب جميع المواثيق الدولية و الشرائع الوضعية المعنية بحقوق الشعوب و البشر , تقر للشعب الكردي بحق تقرير المصير , سواءاً تجسد هذا المصير في حكم ذاتي أو إدارة ذاتية أو فيدرالية و غيرها.
و لأن الأحزاب الكردية تجاهلت الحاجة , و هي ملحة , الى رؤية سياسية كردية موحدة , بشأن كيفية و سبل حل القضية الكردية في سوريا , بما لا يعرض الحدود الوطنية للبلاد للخطر , و بما يعزز الوحدة الوطنية , و التعايش السلمي و الإجتماعي بين مكونات المجتمع السوري , المتعدد القوميات و الأديان و المذاهب , فإن الموقف الذي عبر عنه حسن عبد العظيم , سيظل المظلة التي تحتمي تحتها كل الإتجاهات الرافضة للحقيقة القومية و الديمقراطية للقضية الكردية في سوريا.
لذلك من المطلوب منا , كرديا , العمل على جبهتنا قبل مواجهة الجبهات الأخرى , سواءاً تعلق الأمر بالنظام أو بالمعارضة , لأن بقاء و إستمرار إنقسام الصف الكردي , حول طبيعة و واقع قضيته , يشكل فرصة لأي كان أن يتسلل بين ظهرانينا , و يشكك في دعوانا , و يرفض مطالبنا , و لكن عندما نكون متوحدين في موقفنا و رؤيتنا الى قضيتنا , عندها سيجد الأخرين أنفسهم مجبرين على التعامل معنا , على الأقل , على أساس موازين القوى التي يشكل الكرد في سوريا , في معادلتها , الرقم الأساسي, الذي من الصعب تجاوزه .
نعم موقف حسن عبد العظيم , رغم توقعنا منه , مرفوض لأنه محكوم بنزعة عنصرية و شوفينية , تتجاهل الحقائق و المعطيات المثبتة في دعوى الكرد , و لكن تجاهلنا لهذا الموقف و غيرها من المواقف من جانب القوى و الفعاليات المعارضة في سوريا , يسبب الضرر الأكبر و الأبلغ لقضيتنا و مستقبل شعبنا في هذه البلاد.