قرار حل حزب المجتمع الديمقراطي حصاد توافق بين رغبة العسكر ومسعى حزب العدالة والتنمية

  إسماعيل حمه

من الواضح أن قرار حل حزب المجتمع الديمقراطيD.T.P من جانب المحكمة الدستورية التركية العليا, الذي تم بموجبه كذلك حظر النشاط السياسي لـ(37) من قياداته لمدة خمس سنوات بينهم رئيس الحزب أحمد ترك عضو البرلمان, هو في فحواه قرار سياسي وليس قضائي, لا يمثل رغبة القوى العنصرية الكمالية وفي مقدمتهم العسكر فحسب, بل يمثل أيضاً رغبة حكومة رئيس الوزراء طيب رجب أردوغان وحزبه, وهذا ما يؤكده إسراع الرئيس التركي عبد الله غول إلى مباركة قرار هذه المحكمة, وهو كان فيما مضى رئيس هذا الحزب ورئيس وزراء تركيا عن حزب العدالة والتنمية, مما يثبت وبما لا يدع مجالاً للشك أن حكومة حزب العدالة والتنمية رغم إعلانها عن نيتها في حل القضية الكردية,
 إلا إنها لا تبحث عن شريك كردي في الحل, ربما لأنها ترى أن حزب العدالة والتنمية يمثل الجزء الأكبر من الشعب الكردي, وخاصة أن لديه كما يقال أكثر من ستين نائباً كردياً في البرلمان, بينما حزب المجتمع الديمقراطي ( (D.T.P الذي يطرح نفسه كممثل للشعب الكردي ليس لديه سوى أحد وعشرون نائباً, الأمر الذي يعني أن هذه الحكومة ترغب المضي في حل هذه القضية بإرادتها المنفردة, وفي إطار فهمها الخاص لمعنى القضية الكردية, الذي يبدو لا يتعدى بعض الحقوق الثقافية المجتزأة.

 رغم قناعتنا بأن حكومة اردوغان تسعى لحل ما, وجادة فيما تقول, ولكن ليس تلك الحلول التي نتوخاها أو نتوقعها طالما أن الحلول المقترحة حتى اللحظة هي بعيدة عن ملامسة جوهر القضية الكردية, وبعيدة عن الأخذ بعين الاعتبار أمرين أساسيين لا بد منهما في أي مسعى جدي لحل هذه القضية, الأمر الأول: ضرورة أن ينطلق هذا الحل من الاتفاق مع الجانب الكردي المعارض للسياسات العنصرية التركية وسياسات التصفية وإلغاء الوجود التي انتهجتها الحكومات التركية على مدار ما يقارب قرن من الزمن, أي الاعتراف بوجود شريك كردي في هذا الحل, وهذا الشريك بالتأكيد لن يكون في المرحلة الراهنة, وفي المدى المنظور سوى حزب العمال الكردستاني, لأنه الوحيد الذي يستطيع أن يضمن السير في اتفاقات الحل إذا حصلت, وليس سواه, ونحن جميعاً نعلم أن حزب المجتمع الديمقراطي وبدائله التي ستأتي لاحقاً ليسوا سوى الواجهة المدنية لهذا الحزب, أما البحث عن شركاء مفترضين في الحل لإبعاد حزب العمال الكردستاني تحت ذريعة تهمة الإرهاب التي صنعتها وسوقتها الحكومات العسكرية وشبه العسكرية ضد هذا الحزب, ونجحت في تمريرها على بعض الأطراف الدولية في إطار لعبة المصالح, إنما يعني السعي للشطب على القضية الكردية بمعناها السياسي والقانوني تحت عناوين ما يسمى بالإرهاب لا البحث عن الحلول لهذه القضية.

بينما الأخطر من كل ذلك هو الاتكاء على نواب الكرد لدى حزب العدالة والتنمية واعتبارهم طرفا في الحل, لأن ذلك لن يزيد القضية سوى تعقيداً وسيفتح الباب واسعاً أمام دورة جديدة للعنف أكثر دموية, لأن بذلك تكون هذه الحكومة قد انزلقت إلى درك السياسات التركية التقليدية, ومحاولات إشعال الحرائق والنزاعات الداخلية الكردية الكردية التي إن حدثت لن تكون كامل الجغرافيا التركية بمنأى عن لهيبها, ولذلك فإن مجرد التفكير في أمر كهذا يعني في النهاية القضاء على كل أمل ممكن بحل القضية الكردية على نحو عقلاني, فنواب حزب العدالة والتنمية هؤلاء حتى وان كانوا أكرادا فأنهم لا يمثلون الكرد بأية حال من الأحوال, بل يمثلون حزب العدالة بهويته القومية التركية.
 الأمر الثاني: أن يضع هذا الاتفاق في أولوياته الرئيسية وقبل كل شيء العمل على تعديل الدستور, لأن الدستور الحالي الذي وضعته الطغمة العسكرية الانقلابية بداية الثمانينات, لا يمكن أن يستوعب أية حلول قومية مهما كانت متواضعة, ناهيك عن قضية قومية بحجم القضية الكردية, ولذلك أيا كانت النوايا طيبة ستبقى أفق أي حل جدي وعملي في ظل الدستور الحالي مسدوداً.

ومن هنا يمكن القول أن الحلول حتى تكون عملية وشاملة ومستديمة ينبغي أن تنطلق من تعديل الدستور والاعتراف بوجود الشعب الكردي وحقوقه القومية في متن هذا الدستور الذي يشكل أساس المنظومة القانونية والسياسية في الدول, وتأسيساً على ذلك فإن جميع تصرفات حكومة أردوغان في مجال الانفتاح على بعض الحقوق الثقافية للكرد تبقى باطلة قانوناً من وجهة نظر الدستور التركي المعمول به حالياً, وتبقى قابلة للإلغاء في أية لحظة تريدها الاتجاهات العنصرية في تركيا من خلال المحكمة الدستورية العليا, وخاصة أن هذه المحكمة لازالت تمثل إحدى أهم ذراع للقوى العنصرية في تركيا وفي مقدمتهم العسكر.

طالما أن هذا الدستور لا يقر بوجود أية قومية أو ثقافة قومية سوى القومية التركية وثقافتها وبالتالي لن يتسامح مع أية حقوق سياسية أو ثقافية لقوميات الأخرى موجودة في تركيا, وهذه بديهية يعرفها كل من يتعامل مع السياسة.

28/12/2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…