صالح بوزان ـ دادالي
مرت أكثر من أربعة عشر عامًا منذ بداية الأحداث الجارية في سوريا في آذار ٢٠١١، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر من سقوط نظام بشار الأسد، ما زالت الحركة الكردية عاجزة عن التوافق على رؤية سياسية مشتركة تضمن الحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا ضمن الدستور المستقبلي للبلاد، ولو في خطوطه العريضة وضمن الحدود الدنيا.
رغم أن جميع الظروف الذاتية والموضوعية كانت مهيأة لصالح الشعب الكردي، خاصة بعد محاربة التنظيم الإرهابي “داعش” في عام 2014 وتشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان للأكراد دور بارز في هذه المعركة ودفعوا ثمن ذلك آلاف الشهداء والجرحى من أبناء وبنات الشعب الكردي، إضافة إلى الدعم العسكري اللامحدود الذي تلقاه الأكراد، وسيطرتهم على مصادر اقتصادية هامة مثل النفط والزراعة والمعابر.
ولكن، وللأسف، بقيت الحركة الكردية غارقة في الصراع الداخلي، حيث تفرقت إلى عدد كبير لا يحصى من الأحزاب والمنظمات والتيارات المتناحرة، بل وكانت هناك أطراف تقف ضد تلك الإدارات المحلية التي تشكلت في المناطق الكردية بعد انسحاب النظام. هذا الصراع الداخلي عطّل أي جهود لتحقيق توافق سياسي داخلي، مما منع الحركة الكردية من الحصول على أي دعم سياسي دولي رغم التضحيات الجسام التي قدمها الشعب الكردي.
بعد أكثر من ثلاثة أشهر من سقوط نظام البعث في ٨ كانون الأول ٢٠٢٤، وسيطرة فصائل جهادية متطرفة على السلطة في دمشق ضمن ترتيبات دولية وإقليمية، أبرزها تنظيم “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا) بقيادة أبو محمد الجولاني ( أحمد الشرع) والمدعوم من تركيا، بقيت الحركة الكردية في حلقة فارغة، غير قادرة على قراءة المشهد السياسي والتحولات الجيوسياسية في المنطقة.
رغم الضغوط الدولية من دول مثل فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية على الأطراف الكردية بضرورة التوافق بيما بينهم، بل تدخل الرئيس مسعود بارزاني شخصيًا في هذا الملف، لم تحقق هذه المساعي أي نتائج ملموسة. وكان الشارع الكردي وحركته في صدمة بعد توقيع الجنرال مظلوم عبدي وأحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) على اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مع مؤسسات الإدارة الذاتية في الدولة السورية ضمن ترتيبات غير واضحة المعالم، بين مؤيد ورافض وحياد !!.
بعد أيام من هذا الاتفاق، فوجئ الشارع السوري بالإعلان عن مسودة الدستور للمرحلة الانتقالية، الذي استبعد بشكل واضح جميع الأطراف المختلفة عرقيًا ودينيًا وطائفيًا، حيث احتكر السلطة في يد جهة دينية واحدة، مع صلاحيات مطلقة لرئيس المرحلة الانتقالية “الشرع”. وبذلك تكون سوريا دخلت في مرحلة جديدة من الاستبداد والديكتاتورية أشد قسوة من فترة حكم البعث.
في ظل هذا الواقع، خرجت الحركة الكردية بكافة تياراته *باللطم واللوم*, بإصدار بيانات استنكار وشجب لهذا الإعلان الدستوري من قبل سلطة الأمر الواقع في دمشق، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا كانت الحركة الكردية تفعل طوال الأربعة عشر عامًا الماضية، وفي أكثر من ثلاثة أشهر من الفراغ السياسي في البلاد؟
اليوم، وبعد هذه الفرصة الضائعة، يبدو أنه لن يكون هناك فرصة أخرى مشابهة في المستقبل القريب. ربما يتعين على الحركة الكردية أن تنتظر قرنًا من الزمن لتحقيق ما فاتها في هذه اللحظة الحاسمة.
الحركات الكردية لم تستطع توحيد صفوفها في وقت كانت فيه الفرص التاريخية مهيأة لتثبيت حقوق الشعب الكردي في سوريا. الفراغ السياسي المستمر والتشرذم بين الأطراف السياسية الكردية كانا العاملين الرئيسيين في ضياع تلك الفرص، ليُترك الشعب الكردي في مواجهة تحديات أكبر مما كان يتوقع.