فرحان كلش
في العاشر من آذار 2025 تفاجأ السوريون بڤيديو مشترك للرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع والجنرال مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية، وهما يُذَيلان بنود اتفاق بيني مكون من ثمانية بنود عامة على صفحتين تخص مجمل الواقع السوري كعناوين بتوقيعيهما، و في ظرف ضاغط سياسياً وعسكرياً على الطرفين، حيث كان هذا الاتفاق بمثابة إعلان تخفيف وطئ الاتهامات عن ظهر الشرع، و تسويق داخلي لقسد، المتهمة بالسعي إلى الإنفصال، والضغط التركي الهائل عليها.
إذا كانت سوريا تحتاج فعلياً إلى مصالحة شاملة تريح الناس من ويلات الحرب التي اجتاحت البلاد منذ عام 2011، فإن مثل هذه الاتفاقات الجزئية لن تحل أزمة علاقة السوري بالدولة التي اتسمت بالانحياز الداخلي منذ خمسين عاماً، بل تموه وتشوه هذه العلاقة المتوترة أساساً.
ونظراً لللوحة المتسمة بالغموض حول الدوافع غير المعلنة لظهور هذا الاتفاق في هذه اللحظة الحرجة سورياً و بهذا الشكل المختصر مع تصوير للرجلين لم يتجاوز الدقيقة الواحدة، ودون مؤتمر صحفي للاستفسار حول جملة البنود التي وردت عمومية و غير مفصلة.
أعتقد أن الاتفاق المعلن وُلِد مغلفاً بالكثير من النوايا المتباينة والمبيتة، فالشرع يعتبره طوق نجاة، فضلاً عن أنه يتخيل كل قوات قسد جزء من منظومته، من خلال عملية دمج أوتوماتيكية وبالتالي الطريق إلى المعابر وحقول النفط تصبح مفتوحة على مصراعيها، وهذا هو تخيل أردوغان أيضاً، فبعد فترة صمت، خرج ليقول أنه ينتظر النتائج، أي أن تضع قسد أسلحتها، كجزء من عملية التسوية التي يُحكى عنها داخل تركيا.
وفي الوقت نفسه تصدر تصاريح من الأجنحة السياسية للإدارة الذاتية تسوق لرؤية مختلفة، بل ربما متناقضة لتصورات الشرع وأردوغان عن هذا الاتفاق.
إن إختلاف النوايا، ورحلة التناقش حول النقاط الثمان وقبلها تشكيل اللجان المختصة يتطلب وقتاً وجهداً، وكذلك تقارباً في نوعية النوايا التي دفعت الجانبين للتوقيع على هاتين الورقتين اللتين تحتاجان إلى سنة من الحوار.
ومن هنا من المنطقي أن تتشكل لدينا شكوك جدية حول إمكانية أن يسفر هذا الاتفاق عن نوع من الانسجام العسكري والإداري بين طرفي المعادلة، فكل طرف منتمٍ إلى آيديولوجية مضادة للأخرى، بل معادية لها تاريخياً، وله حساباته البيدرية، فكيف تتهادن بهذه الوداعة والهدوء مع الآخر، أم أن هذا كله محاولة للتخلص من الظروف القاهرة التي دفعتهما لرمي هذه الورقة للاجتراء الشعبي خدمة للطرفين، و تعمية المجتمع الدولي من جانب الشرع حصراً، و التخلص من كوابيس الأتراك قسدياً؟
فهل هذه النوايا ستُفشل هذا الاتفاق، ونعود إلى الاحتراب في لحظة ما؟
وما نقوله يصب في زاوية الحرص على شعبنا، الذي أرهقته الحرب، ورغم ذلك يتطلع إلى أن لا تذهب تضحياته هكذا دون مقابل سياسي وحقوقي، دون أن يتحول إلى إنسان آخر حر في دولة ديمقراطية.
وللأسف كل ذلك أدى إلى انقسام الشعب الكُردي حول الموقف من هذا الاتفاق، جزء مؤدلج يؤمن بالقائد في جميع الظروف والقرارات، وجزء آخر منتمٍ إلى المعارضة كُردياً بالمحصلة، أي إننا ما زلنا على خلاف ولم يوحدنا هذا الاتفاق، رغم الاحتفاء به بالرصاص في شوارع قامشلو والكثير من مناطق الإدارة الذاتية.