تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والمجتمع الديمقراطي) (3/4)

د. محمود عباس

 

التشكيك في خطاب القائد عبد الله أوجلان بين حضور البرلمانيين واحتمالية الإكراه.

لا شك أن حضور عدد من البرلمانيين الكورد في الاجتماع الذي أعلن فيه الخطاب يضفي عليه بعض المصداقية من الناحية الشكلية، لكنه لا يلغي التساؤلات الجوهرية حول الظروف التي كُتب فيها الخطاب ومدى استقلالية القائد أوجلان في التعبير عن رأيه.

هناك عدة نقاط تجعل الشكوك حول مدى حريته في التعبير مشروعة:

  • القائد عبد الله أوجلان مسجون في عزلة تامة منذ أكثر من 25 عامًا، وتُفرض عليه قيود شديدة على الاتصالات، مما يعني أن أي تصريح يخرج عنه يكون إما عبر وسطاء تحددهم الحكومة التركية أو تحت رقابة أمنية مشددة.
  • تركيا لها تاريخ طويل في استخدام التصريحات القسرية، سواء عبر الضغط المباشر أو التلاعب في كيفية نشر التصريحات لتصب في مصلحة النظام الحاكم.

حضور البرلمانيين الكورد لا يضمن أن أوجلان قال ما يريده بحرية كاملة، بل ربما يعكس إرادة الدولة التركية في تقديم رسالة سياسية تخدم مصالحها، فهناك فرق بين أن يكتب السيد أوجلان الخطاب بإرادته الكاملة، وبين أن يكون قد كتب جزءًا منه أو وافق على نشره تحت ضغط نفسي أو سياسي.

  • توقيت الخطاب يأتي في وقت تشهد فيه تركيا اضطرابات داخلية وضغوطًا اقتصادية وسياسية، مما يجعل أردوغان بحاجة إلى مبادرات “سلام” قد تساهم في تهدئة الوضع الداخلي أو تحسين صورته أمام الغرب.
  • غياب التأكيد المستقل، لم يتم التحقق من صحة الخطاب من قبل منظمات دولية أو جهات محايدة يمكنها ضمان أن السيد أوجلان قال ما يريد بحرية.

إذن، من الممكن أن يكون الخطاب مكتوبًا بقلمه، لكن في ظل تأثير الضغوط التركية عليه، بحيث يكون الهدف من التصريح هو التلاعب بالحراك الكوردي من الداخل، وخلق انقسام بين أنصاره ومعارضيه ولإزالة هذه الشكوك يتوجب على الحكومة التركية:

  • إطلاق سراح القائد أوجلان قبل تقييم موقفه، فأي تصريح يصدر عنه داخل السجن يجب أن يُؤخذ بحذر، لأنه في بيئة غير محايدة. لكي يكون لأي تصريح مصداقية حقيقية، يجب إطلاق سراحه أولًا، ومنحه فترة استراحة بعيدة عن الضغوط التركية، وتحت إشراف دولي، بحيث يتم التأكد من أن موقفه يعبر عن إرادته الحقيقية دون تأثيرات خارجية.
  • إعطاؤه فترة استراحة لا تقل عن شهر بعد الإفراج عنه، ليتاح له فرصة التفكير واتخاذ موقفه بحرية بعيدًا عن أي تأثيرات نفسية أو سياسية فرضها السجن.
  • تمكينه من لقاء شخصيات كوردية معارضة، وممثلي المجتمع الكوردي، والاستماع إلى مختلف وجهات النظر قبل اتخاذ قراره النهائي حول أي مبادرة سياسية.
  • توفير قناة اتصال حرة بحيث يستطيع الإدلاء بتصريحاته عبر منصات إعلامية غير خاضعة للرقابة التركية.

الخطاب موجه إلى حزب العمال الكوردستاني فقط، وعلى الأرجح لهذا تم تأجيله بعد عرضه على بعض الأطراف الكوردستانية.

  • المستوى الأول: موجه لحزب العمال الكوردستاني (PKK) تحديدًا

الدعوة إلى حل الحزب والتخلي عن السلاح تبدو موجهة بشكل مباشر إلى قيادة الحزب ومقاتليه، باعتبار أن أوجلان كان دائمًا المرجع الأول في القرارات المصيرية للحزب. إذا صحّ أن الخطاب صادر منه، فإن ذلك يعني أنه يسعى إلى تحول استراتيجي في نهج الحزب من المواجهة المسلحة إلى العمل السياسي، وهو ما يتماشى مع سياسات سابقة حاول أوجلان تبنيها في عدة مراحل، خاصة أثناء محادثات السلام بين 2013-2015.

  • المستوى الثاني: محاولة لإعادة صياغة موقع الكورد داخل تركيا، وليس في جميع أجزاء كوردستان
    الخطاب لم يتطرق بوضوح إلى القضية الكوردية في إيران، العراق، وسوريا، مما يشير إلى أنه لا يستهدف بالضرورة القضية الكوردية ككل، بل يركز على العلاقة بين الكورد والدولة التركية. هذا قد يعزز الفرضية القائلة بأن الخطاب جزء من مشروع سياسي تركي داخلي، وليس رسالة موجهة لكل أطراف الحراك الكوردي في الأجزاء الأخرى من كوردستان.

لا شك أن هدف القائد عبدالله أوجلان هو شمال كوردستان، واستراتيجية حزب العمال الكوردستاني، وتحويلها إلى دولة ديمقراطية حقيقية، رغم إدراكه أنها ستظل، وفق معطياتها الحالية، دولة قائمة على دستور غارق في إنكار الوجود الكوردي، تتستر خلف غطاء ديمقراطي زائف، وتحافظ على هويتها الأحادية التي تقوم على الإقصاء القومي الممنهج، بدل أن تصبح دولة تحتضن جميع مكوناتها.

كما ويدرك أنها الدولة التي تبنّت أحد أكثر الدساتير عنصرية تجاه الكورد، والتي تُعادي قضيتهم العادلة بشراسة، رافضةً الاعتراف بهويتهم القومية أو حقوقهم السياسية المشروعة، لا تزال تواصل إنكار الكورد كشعب له تاريخه وجغرافيته وثقافته الخاصة، وستبقى على هذا النهج ما لم تواجه ضغوطًا كبرى تهدد استقرارها الجيوسياسي، أو تجعلها تشعر بأن جغرافيتها ذاتها أصبحت في خطر التقسيم الحقيقي.

 

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

27/2/2025م

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…