كلمة الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) في الذكرى الثانية والخمسين لميلاده

الأخوة ممثلو الأحزاب الكردية الشقيقة والوطنية الصديقة
الأخوة المثقفون والفعاليات الاجتماعية والمهنية
الأخوة ممثلو فعاليات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان
السادة الحضور

تمر اليوم ذكرى عزيزة على قلب كل كردي وطني ، ذكرى ميلاد أول تنظيم سياسي كردي على الساحة الوطنية السورية ، ذكرى ميلاد حزبنا ، الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) حيث جاء هذا الميلاد كاستجابة طبيعية للظروف الذاتية التي يمر بها شعبنا وبلدنا سوريا ، فبعد استقلال سوريا في 17 نيسان 1947 والذي جاء بدماء وتضحيات كل مكونات الشعب السوري ، والذي لعب فيه الشعب الكردي دوراً متميزاً سواء من خلال حجم المشاركة ، أو من خلال قيادة الثورات والانتفاضات ضد الاستعمار الفرنسي ، هذا الشعب الذي كان يتوق لاستقلال بلده أولاً ولتمتع الشعب الكردي بخصوصيته القومية في ظل سوريا حرة ديمقراطية ثانياً ، ومن أجل ذلك قدم التضحيات الجسام ، ولكن وجد هذا الشعب نفسه محروماً من كل حقوقه القومية المشروعة .
صحيح أن الشعب الكردي في تلك المرحلة لم يكن مضطهداً بالمفهوم الإنساني أو مفهوم المواطنة حيث تبوأ بعض الشخصيات الكردية مواقع مهمة وحساسة جداً في الدولة السورية ، ولكن الصحيح أيضا انه لم يتم الإقرار بخصوصيته القومية في وقت كان الشعور القومي والاحساس به يتصدران أجندة كافة شعوب المنطقة ، كان على الشعب الكردي أن يسعى لنفسه اسوة بغيره من شعوب المنطقة إلى نيل حقوقه القومية وتكريس هويته الثقافية ، وإن هذا الهدف غير ممكن بدون تنظيم سياسي يحول هذا الشعور القومي ويبلوره على شكل وعي سياسي وينظم الأداة ويؤطر المطاليب والعمل من أجلها من خلال تنظيم سياسي قادر على بلورة مطالب الشعب الكردي وتنظيم آليات العمل للدفاع عنه ، فكان ميلاد حزبنا (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا البارتي) حينما بادرت مجموعة من الوطنيين المتنورين والمثقفين الكرد وفي المقدمة منهم المرحوم الدكتور نور الدين ظاظا وأوصمان صبري وآخرون …) إلى إنشاء أول تنظيم سياسي كردي في سوريا والذي استقطب شرائح واسعة من أبناء شعبنا خلال فترة زمنية قصيرة الأمر الذي أكد على تعطش هذا الشعب إلى السعي لنيل حقوقه من خلال هذا التنظيم .
اثنان وخمسون عاماً مضت على ولادة أول تنظيم كردي ، ولكن بين الميلاد والحاضر الذي نعيشه صور ومشاهد مختلفة على كافة الصعد ، فعلى صعيد الحركة بدأت الحياة السياسية التنظيمية بتنظيم واحد ، ولكن الآن تعج الساحة الكردية بعدد كبير من التنظيمات ، صحيح إن التطورات الوطنية والإقليمية والدولية تفرض نفسها على مسيرة التطور التي أفرزت التعددية السياسية والتي يجب احترامها بل وترسيخها لكن التعددية السياسية التي تهدف إلى استقطاب المزيد من أبناء الشعب وبلورة أفكاره لأن التنظيم الواحد مهما كان قوياً لا يمكنه استقطاب كل أبناء الشعب والتعبير عن أفكارهم ، ولكن ما يجري أن هذا العدد لا يعبر عن التعددية السياسية والفكرية ، بل هو التشتت والتشرذم بعينه ، ولم يحقق الهدف المرجو منه ، وهو استقطاب المزيد من أبناء شعبنا بل انعكست الآية سلباً حيث هذا التشرذم غير المبرر شكل نفوراً لدى شرائح واسعة من أبناء شعبنا بمن فيهم المثقفون تجاه العمل السياسي أو بالأصح تجاه العمل التنظيمي الكردي .
على الصعيد الوطني : ورغم أن الشعب الكردي كان محروماً من حقوقه القومية ولكنه كان يتمتع بقدر معقول من حقوق المواطنة السورية من حيث الوظائف والمسؤوليات والمناصب ومن حيث الوضع الاقتصادي إلا أن ازدياد وتنامي النزعة الشوفينية العروبية لدى العديد من القوى السياسية العربية على الساحة الوطنية أثرت وبشكل سلبي ليس على الشعب الكردي فحسب بل على مجمل تطور الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية في سوريا ، وقد بلغت تلك الآثار ذروتها باستلام حزب البعث السلطة في البلاد في 8 آذار 1963 والذي صاغ جميع الأفكار الشوفينية والعروبية القائمة على الفكر الشمولي ونفي الآخر المختلف قومياً وفكرياً وسياسياً من خلال برنامج سياسي شوفيني ، وباشر بالعمل على تنفيذه فور استلامه السلطة ، وبذلك بدأ فصل جديد في سوريا سواء فيما يخص الحياة السياسية العامة او الشعب الكردي ، حيث بدأ بالانقلاب على الحالة الديمقراطية التي كانت موجودة ، وإلغاء مؤسساتها ومرتكزاتها والتعويض عنها بديمقراطية شكلية صورية ومؤسسات تابعة تبعية مطلقة لها ، واتبع سياسة العصا والجزرة مع الحركة الوطنية السورية فإما القبول بالتبعية لحزب البعث والسير وفق أجندته وقبوله كحزب لا ينفرد بالسلطة فحسب ، بل يقود المجتمع والدولة (حسب المادة الثامنة من الدستور) أو التعرض للملاحقة والقمع والسجون وتفكيك البنية التحتية لتنظيماتها ، وكذلك تطبيق الأحكام العرفية وحالة الطوارئ وإقامة المحاكم الخاصة والاستثنائية ، وبذلك انتقلت سوريا من دولة شبه ديمقراطية إلى دولة شمولية لا يسمح فيها إلا للفكر الواحد والثقافة الواحدة بالتعبير عن نفسها ، وبدأت الأوضاع الداخلية في البلاد بالتراجع على مختلف الصعد ولم تنجح في النهوض بالبلد بسبب غياب الديمقراطية وغياب مشاركة الفعاليات السياسية والاجتماعية والثقافية في رسم سياسات البلد ، وإذا كان نصيب الشعب السوري التهميش وتغييب دوره نهائياً في الحياة العامة في البلاد وملاحقة المعارضين منهم ، فما بالكم بالشعب الكردي المختلف قومياً ، فإلى جانب الإنكار التام لوجوده كشعب له خصوصية تعرض إلى سلسلة متتالية ومتصاعدة من الإجراءات الشوفينية لاتزال تتفاعل تأثيراتها على الوضع الكردي بشكل كارثي سواء لجهة العمل بإحصاء 1962الرجعي وتطبيق الحزام العربي وسياسات التعريب الشاملة ، واتخذت هذه الإجراءات منحى خطيراً قبيل انتفاضة آذار 2004 حينما أقدمت السلطة إلى قتل مجموعة من الشباب الكرد بالإضافة إلى عوامل أخرى (سياسة الاضطهاد القومي والاجتماعي والاقتصادي المتراكمة وحرمان الشعب الكردي من حقوقه والقمع والتنكيل بحقه وإصراره للدفاع عن نفسه وحقوقه) أدت كلها إلى اندلاع انتفاضة آذار ، ثم تتالت الإجراءات الشوفينية بشكل قوي مع استمرار قتل الكرد في خريف 2007 وعشية نوروز 2008 وازدياد ملاحقة النشطاء السياسيين والمهتمين بالشأن العام والمثقفين الكرد ومن سعي  متواصل لحظر كافة نشاطات الحركة الكردية في سوريا إلى إصدارالمرسوم /49/ الكارثي إضافة إلى الاعتقال التعسفي لمجموعات كبيرة من الشبان الكرد من بينهم قيادات وكوادر من حزبنا لايزالن يحاكمون .
كل هذه الأوضاع تتطلب منا ونحن نحتفل بالذكرى الثاني والخمسين لميلاد الحزب أو ذكرى ميلاد أول تنظيم كردي مراجعة نقدية وجادة ومسؤولة لواقع الحركة الكردية في سوريا هذا الواقع الذي لم يعد مقبولاً بأي شكل من الأشكال وبات تجميع طاقات الشعب الكردي وحركته مهمتان عاجلتان غير قابلتين للتأجيل ، ومن أجل هذا فإننا ندعو حركتنا الكردية ومسؤوليها إلى الحوار والتحاور الجاد والمسؤول من أجل إنجاز أي مشروع نضالي وحدوي بعيداً عن التحزب ونحن كحزب ومن خلال الجبهة قد طرحنا مشروع المجلس السياسي الذي نعتقد أنه خطوة مهمة جداً في هذه المرحلة ، ولكننا بالقدر الذي ندافع عن رؤيتنا فإننا نحترم آراء الآخرين ونعتقد أن الحل يكون بحوار مباشر بين جميع أطراف الحركة للتوافق على مشروع معين وفي حال تعذر ذلك يجب القبول بأي مشروع ينال موافقة غالبية أًطراف الحركة الكردية لأن التضامن الكردي هو الكفيل بتسخير معظم طاقات الشعب الكردي في الاتجاه الصحيح للدفاع عن نفسه وعن وجوده وعن حقوقه ، وفي هذا الإطار فإننا سنعمل على :
1- توحيد نضالات القوى الوطنية الكردية من خلال الجبهة للوصول إلى صيغ نضالية ديناميكية مرنة قابلة للتطوير وقادرة على التفاعل مع الأحداث والمستجدات ، ونعتقد أن المجلس السياسي المستند إلى الرؤية المشتركة هو أفضل صيغة نضالية في المرحلة الراهنة
2- تفعيل النضال الوطني الديمقراطي السلمي بكافة أشكاله بما فيه النضال الجماهيري ، والتي أكدت انتفاضة آذار فعاليتها .
3- ترسيخ وتعزيز العلاقات مع القوى الوطنية الديمقراطية وخاصة قوى إعلان دمشق ، وكذلك المنظمات المجتمعية .
4- تعريف الرأي العام العالمي بالقضية الكردية ومعاناة الشعب الكردي .
5- العمل من أجل إلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية وبناء دولة المؤسسات والقانون وسن قانون عصري للأحزاب وآخر للمطبوعات ينظمان الحياة السياسية في سوريا .
6- من أجل الإقرار الدستوري بالوجود الكردي كشعب يعيش على أرضه التاريخية ويشكل القومية الثانية في البلاد وإلغاء كافة المشاريع والسياسات الشوفينية المطبقة بحقه وإلغاء آثارها وتداعياتها والتعويض على المتضررين منهم ، واعتبار قتلى أبناء شعبنا شهداء .
إننا وبهذه المناسبة العزيزة نمد يدنا إلى كافة الأطراف الكردية للحوار المباشر من أجل الوصول إلى أفضل الصيغ النضالية التي تخدم قضية شعبنا وقادرة على مواجهة المشاريع الشوفينية التي تستهدف وجوده ، وتمكنه من تصعيد النضال الوطني الديمقراطي وصولاً إلى تأمين حقوقه القومية العادلة .
اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)

9/6/2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…