الوضع الكردي في تركيا وسوريا: بين الدعوة إلى السلام وصراع البقاء

عبد الجابر حبيب

 

مقدمة

لطالما شكّل الوضع الكردي في تركيا محوراً أساسياً في الصراع الداخلي للدولة التركية، وهو صراع ممتد منذ تأسيس الجمهورية. ومع كل متغير سياسي، يتجدد السؤال: هل آن الأوان للكرد أن يتنفسوا بحرية؟ وما انعكاسات المستجدات في تركيا على كرد سوريا، الذين ما زالوا يحلمون بالاعتراف بحقوقهم؟

في هذا السياق، جاء النداء الأخير الموجه إلى حزب العمال الكردستاني (PKK) بإلقاء السلاح وحلّ نفسه، ليثير جدلاً واسعاً بين مؤيدي المصالحة ومعارضيها. لكن هل هذا النداء واقعي؟ وما تداعياته على القضية الكردية في تركيا وعموم كردستان؟

بين النداء والسلام المشروط: مستقبل الكرد في تركيا

لطالما شكّلت العلاقة بين الكرد والدولة التركية حالة من التوتر المزمن، حيث اعتمدت الدولة على سياسات القمع والإنكار، في حين لجأت الحركة الكردية إلى النضال المسلح كردّ فعل على سياسات الإقصاء والتهميش. ومع تحولات النظام العالمي وانهيار الاشتراكية، وجد حزب العمال الكردستاني نفسه أمام خيارات جديدة، فانتقل إلى تبني نموذج “الأمة الديمقراطية”، محاولاً التكيف مع المتغيرات دون التخلي عن سلاحه بالكامل.

النداء الأخير الذي أُعلن في البرلمان التركي، بدعم من بعض القوى السياسية، يدعو PKK إلى إنهاء الكفاح المسلح والانخراط في الحياة السياسية، لكنه لا يقدّم ضمانات حقيقية لتحقيق الحقوق الكردية. فالدعوة جاءت من طرف واحد، دون اعتراف واضح بحقوق الشعب الكردي، أو إيجاد تسوية شاملة.

لكن السؤال الأهم: هل يمكن الوثوق بهذه الوعود في ظل استمرار السياسات القمعية؟ وإذا كان الحلّ السياسي ممكناً، فلماذا لا تبدأ الدولة التركية بإطلاق سراح آلاف المعتقلين السياسيين الأكراد كخطوة أولى؟

انعكاسات الوضع التركي على كرد سوريا

الوضع الكردي في سوريا مرتبط بشكل وثيق بما يجري في تركيا. فمنذ بداية الأزمة السورية، تحوّلت مناطق الإدارة الذاتية إلى تجربة جديدة في الحكم الذاتي الكردي، وهي تجربة لا تزال تحت تهديد مستمر من قبل تركيا التي تعتبرها امتداداً لـ PKK.

في حال استجاب PKK للنداء وأعلن حلّ نفسه، سيكون لذلك أثر مباشر على كرد سوريا، حيث ستضغط تركيا أكثر لإضعاف الإدارة الذاتية، بحجة أنها لم تعد تمتلك مبرراً لوجودها بعد انهيار النظام الأسدي، وتشكيل حكومة سورية مؤقتة تعمل قريباً على صياغة دستور لسوريا المستقبل. لكن في المقابل، فإن إنهاء الصراع المسلح داخل تركيا قد يفتح نافذة جديدة أمام القوى الكردية السورية لتعزيز موقعها السياسي داخلياً، بعيداً عن فزاعة الإرهاب التي تستخدمها أنقرة لتبرير تدخلاتها العسكرية.

لكن هل ستتوقف تركيا عن ملاحقة الكرد حتى لو تم حلّ PKK؟ التجربة تقول العكس، فحتى الأحزاب الكردية المدنية في تركيا تواجه الإقصاء، وأي مشروع كردي خارج السيطرة التركية يظل مرفوضاً.

بين الواقع والطموح: هل يحقق كرد سوريا حلمهم؟

يحلم كرد سوريا بحلّ سياسي يضمن لهم حقوقهم ضمن إطار الدولة السورية، لكن هذا الحل مرهون بتغيرات إقليمية ودولية معقدة. وفي ظل استمرار الخلافات بين القوى الكردية السورية، وغياب الدعم الدولي الفعّال، يبقى هذا الحلم معلقًا بين الممكن والمستحيل.

إذا كان هناك دروس يمكن استخلاصها من تجربة PKK في تركيا، فهي أن الحقوق لا تُمنح بسهولة، وأن القوة السياسية والعسكرية تظل عاملاً حاسماً في فرض الوقائع على الأرض. لذلك، فإن الرهان على اتفاق سياسي يضمن مستقبل كرد سوريا دون امتلاك قوة تحميه، قد يكون مغامرة غير محسوبة.

الخاتمة: إلى أين يتجه الكرد؟

ما كان يجري في البرلمان التركي منذ أمد بعيد، ومحاولة إسكات الصوت الكردي في السنوات السابقة، يكشف مرة بعد أخرى أن القضية الكردية ليست بهذه السهولة، وأن الحلول المطروحة ليست سوى محاولة لإعادة إنتاج الأزمة بصيغة جديدة.

أما في سوريا، فإن أي حلّ نهائي مرتبط بموازين القوى بين الفاعلين الدوليين والإقليميين. وإذا كان ثمة درس واحد يجب أن يستوعبه الكرد في كل أجزاء كردستان، فهو أن الحقوق لا تُنتزع إلا بالقوة، سواء أكانت قوة السلاح أو قوة السياسة، ولكنها بالتأكيد لا تُمنح عبر نداء القائد عبد الله أوجلان الداعي للسلام، إلا إذا كانت هناك نوايا صادقة من قبل الحزب الحاكم والأحزاب التي لها وزن في السياسة التركية.

ولا يمكن إتمام عملية السلام إلا بمجهود القوى الدولية والإقليمية، رغم أن الكرد دعاة سلام منذ التاريخ، وما نداء السيد القائد أوجلان إلا دليل على ذلك.

السؤال الذي يبقى مطروحاً: هل سيكون العقد القادم عقد الاعتراف بالكرد، أم استمراراً لسياسات الإنكار؟

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…