لعبة المصالح

أحمد مرعان

 

المجتمعات التي يسودها الفساد والتخلف هي صنيعة قادتها الذين أوهموا شعوبهم بأفكار وشعارات خلبية، يتحايلون بها لحين البحث عن أساليب وتدابير جديدة تناسب واقع الشعب وفق الحالة الراهنة، وتتوالى النظريات حتى يصبح الشعب ألعوبة بين أيديهم، وتسود المجتمع ثقافة النفاق والتكويع، ومن يجرؤ على قول الحقيقة واستكشافها بالأدلة وفضح الأمور يكون ضحية آرائه بالعزلة والاضطهاد.

والناس يميلون إلى تصديق حتى الترهات بما يرضي حاجاتهم وعطشهم، ظنًا منهم باليقين، ويمقتون من يكشف لهم العيوب والنواقص بما يهدد أوهامهم البائسة، ويظنون بهم ظن السوء، وينعتونهم بالخيانة والتآمر، في حين يمجدون من يجيد فنون تزييف الواقع، وتقديم الأكاذيب المغلفة بالأمل والخداع.

هذا على الصعيد النفسي لسيكولوجية النفس البشرية التي تأبى التغيير، وتخشى القادم المجهول، حتى ولو حمل في طياته الجوانب الإيجابية والطيبة، التي قد تبدل حالهم إلى الأحسن.

وهنا يأتي دور الإعلام المضلل والمسيّس وفق مقاسات السلطات، التي تجنده لخدمتها على وجه الخصوص.

بهذه التعابير يجسد المناضل (تشي غيفارا) تراجيديا الوعي الإنساني المأسور بين قمع السلطة وخيانة الإعلام، فالسلطات لا تكتفي بإذلال الشعوب وقهرها، بل تستعين بالإعلام لتحويل هذا القهر إلى وهم يغرق الجماهير في مستنقع الزيف، حيث تُقدَّم المأساة في صورة نعمة، فيُصادَر العقل، ويُغتال الضمير، ويُشوَّه التمييز بين الحق والباطل. إنها مأساة مزدوجة، قهر مادي وتشويه معنوي، يغرق الإنسان في وهم لا يملك منه فكاكًا، فعندما تتبول السلطات على الشعوب، يأتي دور الإعلام ليقنعهم أنها تمطر، ويتبعهم شيوخ الضلال ليقولوا: إنه ماء طَهور، إذ يحوّلون الخديعة إلى طقس مقدس، يباركون الكذب باسم الطهارة، ويمررون الظلم كأنه قضاء لا يُرد. في هذا المشهد المأساوي، تُنتزع حرية الإنسان ليس بالسلاسل بل بالوهم المتقن، حيث تمحى الحدود بين الحقيقة والزيف، ويصبح الخضوع فضيلة يُحتفى بها.

وهذا ما نراه في المجتمع الدولي، الذي ينحو إلى ممارسة اللعب على الوقت وتحقيق المكاسب بزرع بذور الفتنة في الشعوب المؤدلجة والمشبعة بالطائفية والقومية والمناطقية، ناهيك عن تسييد من ليسوا بأهل لقيادة المرحلة، بهدف اللعب على محاور الفتنة والضغينة، وإهمال دور المنظمات والفعاليات المجتمعية والوزارات الشكلية، التي لا تأمن على قراراتها من التدخلات الوصائية، وفق مصالح السلطة.

هذه الشعوب تأمل إبطال دور التزييف والمغالاة، ليكون دور القضاء هو الفيصل، بإحقاق الحقوق والواجبات، وردّ المظالم، ومعاقبة المتجاوزين وفق قرارات وأنظمة سُنت لهذا الغرض. فهناك تقارير موثقة بالتجاوزات، ولم يُوضع لها حد كما يجب، مما يزيد من فقدان المجتمعات الثقة بدورها المناط بها.

لقد أصبح العالم ينتهج شريعة الغاب، حيث يحكم القوي الضعيف، والضعفاء هنا هم الشعوب المغلوبة على أمرها. وإن أنكرت هذا التمايز ولو بالرأي، فمصيرها مجهول بين الاعتقال والضياع في متاهات السجون، إن لم يكن الاغتيال الممنهج بدبلوماسية السلطة، التي تشارك حتى في الموكب الجنائزي لإزاحة الشبهات عن نفسها.

أين نحن من هذا العالم المترامي الأطراف، الذي يجاهد لتحقيق ذاته، ويدفع بعجلة التطور والحداثة، ومواكبة العصر بمعطيات تناسب البيئة المجتمعية، لخلق انتصار على ذاته، من خلال نبذ التطرف ومعايشة الواقع بمصداقية، والنظر إلى أبعاد النهوض بالمجتمع إلى مستويات أرقى، تليق بالتقدم الحضاري والتقني والتكنولوجي، في الصراع الدائر اليوم بشكل عام، ومع الذكاء الصناعي الذي أصبح الهاجس الأكبر في التنافس على ابتكار العلوم الإنسانية والصناعية والزراعية، وما إلى ذلك. هذا العلم الذي يدرس، ويبتكر، ويخلق المعجزات، حتى أصبح يتدخل في إطالة عمر البشر دون معوقات مرضية ونفسية، ويساهم في القضاء على الجهل والفقر المدقع.

يبدو أننا محكومون بحكام على مقاس الشعوب، لإبقائها في الضلال والتبعية المطلقة، بحياكة الدسائس والمؤامرات ضد شعوبها. هذه الدول تمتلك كل مقومات النجاح، حيث البيئة المناسبة، والمواد الأولية، ولو استُغلت بشكلها الصحيح والمناسب، برعاية العقول الناضجة والواعية، لكانت الشعوب تنعم بالخير والعطاء والطمأنينة!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


1 Comment
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
لمعى عيسى
لمعى عيسى
1 شهر

نعم صدقت بكل ما كتبته ،فالعالم اصبح كالغابة ،القوي يسيطر على المغلوب على امره،،الشعوب فقدت الثقة بالمنظمات الدولية وخاصة مايسمى بمنظمة حقوق الانسان والتي من المفروض ان تنصف المظلوم وتعاقب الظالم ،،،خلال الخمسة عشرة سنة الاخيرة ،،اثبتت تلك المنظمات انها مشلولة امام القوى العملاقة التي صنعت الذكاء الصناعي والقوى الإلكترونية في العالم ،عاجزة عن بناء الثقة بين الشعوب التي كانت تأمن بوجود جهة تحقق العدالة البشرية في حالة العبث فيها . وهذا الكلام ينطبق على كل من يعبثون بمصائر الشعوب التي تثق بهم بانهم سيحققون من خلال أفكارهم كل مطلب ،،سواء كانت احلام قومية او مادية او معنوية او سلطوية، ،ويضلوا يعبثون بهم. حتى يرتطمون بالواقع ،،ودون ان يشعروا بكل هذا العبث ،شكرا لكل قلم ينطق بالواقع والحقيقة دون تزوير رغم مرارتها .

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   منذ 2011، فتحت تركيا أبوابها للسوريين، ليس دعماً لهم، بل لاستغلال نزوحهم، على أكثر من صعيد، متوهمةً أن سقوط النظام لن يطول. استقبلت الأيدي العاملة، بأجور جد زهيدة، و استغلتهم عبر أساليب مشينة، واستفادت من ضخّ المساعدات الدولية الممنوحة للسوريين، بينما اضطر رجال الأعمال إلى نقل مصانعهم إلى هناك، لاستمرار معيشتهم وديمومة حياتهم، ما عزّز الاقتصاد…

في إطار الاهتمام العالمي بالقضية الكردية عامّةً، وفي سوريا على وجه الخصوص، بعد الأحداث الدامية في 12 آذار 2004م، ازداد اهتمام العواصم الأوروبية بقضيتنا الكردية؛ فأوفدتْ مندوبين عنها إلى الجزيرة من قبل الاتحاد الأوروبي والقارة الأمريكية (كندا)، وذلك للوقوف على الحقائق كما هي في أرض الواقع؛ بغية الوصول إلى رسم تصوّرٍ واضحٍ ومباشرٍ لوضع الشعب الكردي في سوريا ومعاناته الاجتماعية…

ماهين شيخاني كان يكبرنا سناً ومحل احترام وتقدير لدينا جميعاً وفي المؤتمر (……) كان بيني وبينه وسادة، لمحته ينظر لوجوه المؤتمرين، هامسته : هل أكملت جدول الانتخاب ..؟. أجاب: مازال قائمتي بحاجة الى بعض المرشحين ..؟!. وضعت ورقتي المليئة بالأسماء التي انتخبتهم حسب قناعتي بهم على الوسادة أمامه، تفضل ..؟. نظر أليَّ باستغراب، رغم ثقته بي ووضع…

صلاح بدرالدين   منذ عدة أعوام ولم تنفك وسائل اعلام أحزاب طرفي ( الاستعصاء ) – ب ي د و انكسي – تنشر تباعا عن تدخل وسطاء دوليين لتقريب الطرفين عن بعضهما البعض ، والاشراف على ابرام اتفاقية كردية – كردية ، وانهاء عقود من حالة الانقسام في الصف الكردي السوري !!، من دون توضيح أسس ، وبنود ذلك الاتفاق…