من يتمعن في السياسات المطبقة حيال الشعب الكردي في سوريا في السنوات القليلة الأخيرة،يدرك جيداً أن هذه السياسات تعيد إلى الأذهان ،وتضاهي في بعضٍ من جوانبها السياسات التي كانت معتمدة أواخر الخمسينيات وأوائل ومنتصف الستينيات ،فالمشاريع العنصرية (الحزام العربي والإحصاء الجائر) لازالت قائمة و مستمرة ،وكذلك سياسات التعريب والصهر القومي وعدم تقبل الآخر .
إن من المفروض، وحسب ما يقتضيه المنطق السياسي السليم، أن تكون سورية في مقدمة من يبادر إلى إيجاد حل عادل ومنصف للمسألة الكردية لديها وفق أسس العدالة والديمقراطية والمساواة وحقوق المواطنة داخل أطر الوحدة الوطنية .
ومن هنا تقفز المفارقة الكبيرة إلى الأذهان ،فتركيا التي لم تنظر يوماً إلى الشعب الكردي وقضيته العادلة إلا بعين العداء والشوفينية ،وأنكرت على الدوام ، وعلى مدى عقود من الزمن ، الاعتراف بالوجود الكردي لديها ومارست إلى جانب ذلك القوة العسكرية في مواجهة أية مطالب بحقوق الكرد أو غيرهم وكانت تعتبر كل من يعيش داخل حدود الدولة التركية “أتراكاً” شاءوا ذلك أم أبوا ،نقول حتى تركيا هذه ،غيرت من سياستها تلك حيال المسألة الكردية وبات قادتها السياسيون الآن ينظرون إلى الواقع بموضوعية وبعينين مفتوحتين فهم يعترفون الآن وعلناً ومن دون أية مواربة ليس فقط بالوجود الكردي وإنما يعترفون بأن لديهم قضية اسمها القضية الكردية ، وينبغي حلها بأسرع وقت ممكن ،وقد خطت الحكومة التركية بالفعل خطوات عملية في هذا المجال عندما افتتح رئيس وزرائها السيد رجب طيب أردوغان قناة فضائية تلفزيونية تبث برامجها باللغة الكردية ،إضافة إلى افتتاح أقسام لتدريس اللغة الكردية في جامعات تركية ،وفي آخر تصريح له عن هذه المسألة ،صرح رئيس الجمهورية التركية نهاية أيار المنصرم بأن “علينا أن نسارع إلى حل القضية الكردية قبل أن تكبر أمامنا ونعجز عن حلها” إن هذا التوجه لدى الحكومة التركية هو خطوة نوعية ستضع تركيا على المسار الصحيح وستجني من ورائها ،فيما لو توفرت لها أسباب النجاح ، الكثير من الازدهار والتقدم الاجتماعي والنمو الاقتصادي و المصداقية السياسية .
أما في العراق ، فبعد أن جربت الحكومات العراقية المختلفة أساليب القمع والمواجهة العسكرية التي وصلت ذروتها في عهد نظام صدام حسين إلا أن سياسات القوة و البطش تلك لاقت الفشل، وهاهم الكرد اليوم يشكلون جزءاً هاماً من العراق الجديد،ونظام حكمه القائم على أسس ديمقراطية ودستورية ، يشاركون في رسم سياساته ومستقبله كجزء أساسي من الشعب العراقي له خصوصيته القومية ضمن إطار العراق الاتحادي …
إذاً ،أوليس من الغريب حقاً أن يتم انتهاج سياسات حيال الشعب الكردي في سوريا تخطاها الزمن و تجاوزها..
وهل يجوز إن تسير الأمور عندنا و تبدأ من حيث انتهى منها الآخرون…؟؟ !!!!!!