ترامب في ولايته الثانية: بين الطموح والواقع السياسي

عدنان بدرالدين
مع بداية ولايته الثانية، يعود دونالد ترامب إلى الساحة السياسية بنفس الجرأة التي ميزته من قبل، محاولا إعادة تشكيل سياسات أمريكا الداخلية والخارجية. قراراته تثير الجدل، بعضها يجد طريقه إلى التنفيذ، بينما يواجه البعض الآخر عراقيل قانونية وسياسية. هل يسعى ترامب إلى تغيير قواعد اللعبة، أم أنه يستخدم ضجيج قراراته كوسيلة ضغط لتحقيق أهداف أقل حدة؟
إحدى أولى خطواته كانت فرض تعريفات جمركية جديدة على كندا والمكسيك والصين، مما أدى إلى اضطراب الأسواق العالمية. جاءت ردة الفعل سريعة، حيث سعت كندا والمكسيك إلى تهدئة التوتر عبر تقديم تنازلات تتعلق بأمن الحدود، مما دفع ترامب إلى تعليق القرار مؤقتًا. لكن هذا لا يعني انتهاء المعركة، فالاقتصاد العالمي يترقب، وقد تكون هناك جولة أخرى من التفاوض أو التصعيد.
أما في الشرق الأوسط، فكانت خطته حول غزة أكثر إثارة للجدل. اقترح إعادة توطين سكان غزة كحل نهائي للصراع، لكن الردود جاءت حاسمة: مصر والأردن والسعودية رفضت الفكرة بشدة، معتبرين أنها تشكل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية. حتى داخل إدارته، واجه ترامب معارضة، مما دفعه إلى التراجع عن بعض تفاصيل الخطة. هكذا تكرر نفس النمط الذي اعتدنا عليه: إعلان قوي، ثم مواجهة رفض دولي، ثم تراجع تدريجي.
في سوريا، تتزايد التكهنات بشأن انسحاب أمريكي محتمل، خاصة مع التغيرات الميدانية التي شهدت صعود هيئة تحرير الشام، وهي جماعة ذات خلفية جهادية لاتزال حتى الآن مصنفة إرهابية من قبل واشنطن نفسها، فيما تقبع داعش في الجوار متحفزة. إذا حدث الانسحاب، فقد يخلق فراغًا تستفيد منه قوى متطرفة، وهو ما يجعل البعض يتساءل: هل الانسحاب قرار جاد، أم مجرد ورقة ضغط لإجبار الأطراف الفاعلة على تقديم تنازلات؟
لا يتوقف ترامب عند القرارات التقليدية، بل يطرح أفكارًا غير متوقعة، مثل شراء غرينلاند أو ضم كندا، وهي تصريحات قد تبدو خيالية، لكنها تعكس أسلوبه في التفاوض والضغط. لكن هل يمكن لهذه الأفكار أن تتحول إلى واقع؟ مؤسسات الحكم الأمريكية، رغم بطئها، لديها آلياتها الخاصة في فرملة التحركات غير التقليدية، وهو ما قد يحد من تنفيذ سياسات ترامب الأكثر جرأة.
يبقى السؤال الأهم: هل يسعى ترامب حقًا إلى إحداث تغيير جذري في النظام العالمي، أم أن صوته المرتفع ليس سوى أداة لانتزاع تنازلات من خصومه؟ ولايته الثانية تثير العديد من التساؤلات، وقراراته تخضع لاختبار مستمر. وحده الزمن سيكشف ما إذا كان سينجح في فرض رؤيته للعالم وتحقيق تغيير “ثوري”، أم أن التحديات ستفرض عليه التكيف مع الواقع العالمي بدلا من تغييره.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…