استراتيجية في مواجهة استراتيجية

الدكتور عبد الحكيم بشار

من أجل إضعاف المجتمع الكردي والسيطرة عليه وإدارته وفق أجندات معينة تخدم أهدافها ، كان لابد من استراتيجية تضعها السلطة نصب عينيها وتعمل على تنفيذها على أرض الواقع للوصول إلى أهدافها المتمثلة في طمس معالم القومية الكردية وحدها وصهرها في البوتقة العربية ، وقد تمحورت استراتيجيتها في ثلاثة محاور :

أولاً – على الصعيد الكردي : فإلى جانب مختلف السياسات والمشاريع والممارسات والمراسيم الشوفينية المطبقة بحق الشعب بما فيها القتل العمد ، والتي باتت معروفة للجميع ، وكذلك سياسات إفقار المناطق الكردية ، يأتي مفهوم خلق الصراع الكردي / الكردي سواء كان على صعيد المجتمع الكردي أ وحركته السياسية ، وإذكاء نار هذا الصراع وتأجيجه إلى أبعد حد ممكن وبشتى الوسائل والسبل هو حجر الزاوية في هذه الاستراتيجية لأنه يأتي في مقدمة العوامل التي تساهم في إضعاف المجتمع الكردي وحركته أولاً ، وفي تشويه شكل الصراع وحرفه عن مساره الحقيقي ثانياً .
ثانياً – على الصعيد الوطني : دأبت السلطة على تشويه سمعة الكرد واعتبار أن الكرد خطر داهم على القضايا الوطنية وحتى العربية ، لا بل حتى على سوريا ووحدتها ، وقد وجدت هذه الاتهامات والمفردات طريقها إلى أذهان العديد من القوى الوطنية الديمقراطية ، ومن أجل نجاح هذه السياسة كان لابد من عزل الحركة الوطنية الكردية عن إطارها الوطني العام وزرع بذور الشك والريبة بينها وبين باقي القوى الوطنية  وبالتالي اقتصار نضالها أو الأهم (حصرها) في المناطق الكردية مما فرض عزلة على الحركة الوطنية الكردية وبعدها عن إطارها الوطني سوى بعض اللقاءات والاتصالات مع بعض القوى الوطنية والتي لم تتبلور أو تصل إلى مستوى العلاقات الثنائية بمفهوم العلاقة بين الأطراف الكردية والقوى الوطنية الديمقراطية ، وفي الجانب الآخر فإن القوى الوطنية الديمقراطية السورية أيضاً أهملت إلى حد بعيد واقع الشعب الكردي ومعاناته وضرورة التعرف عليه كقضية وطنية بغض النظر عن الواقع السياسي للحركة .
ثالثاً – على الصعيد الدولي : إذا كانت السلطة تكبح أي توجه للحركة باتجاه القوى الوطنية الديمقراطية السورية أو تعريف الرأي العام السوري بالقضية الكردية ، فإن هذه الممانعة هي بالتأكيد أقوى وأشد فيما يتعلق بتعريف القضية الكردية بالرأي العام الدولي ، لذلك سعت إلى فرض طوق شديد على نشاطات الحركة ومنعها من أي تواصل مع الخارج ، وقد نجحت في ذلك لفترة طويلة من خلال ترويع الحركة وذلك بتوجيه تهم جاهزة وقاسية لهم .
لذلك وانطلاقاً من إدراك الحزب لهذه الاستراتيجية فقد وضع لنفسه استراتيجية لمواجهة هذه الاستراتيجية وذلك من خلال جملة من القرارات والتوجهات والتي تمت صياغتها بالتدريج وتتلخص فيما يلي :
أولاً – على الصعيد الكردي : العمل من أجل إنهاء الصراع الكردي الكردي سواء على صعيد المجتمع أو الحركة السياسية وذلك من خلال التواصل مع جميع الأطراف الوطنية الكردية والعمل على تهدئة الخلافات والصراعات بين أطرافها وتهيئة الأجواء للم شمل الحركة والانفتاح على جميع المشاريع التي تخدم وحدة نضال الحركة ، وتؤدي إلى زيادة فعاليتها ودورها السياسي والجماهيري ، ومن أجل ذلك فقد طرح الحزب من خلال الجبهة مشروع المجلس السياسي وهو عبارة عن مشروع يهدف إلى لم شمل الحركة الكردية وفق إطار جديد يتسم بالمرونة والديناميكية قابلة للتطور وفق المستجدات ، وإذا كان الحزب يرفض الصراع الكردي / الكردي ويرفض الانجرار إلى أية معارك جانبية قد يفتعلها البعض بسبب قلة الإدراك والوعي أو ردات الفعل او بشكل مقصود ، فإنه لن يكون أبداً طرفاً في أي صراع كردي / كردي مع الاحتفاظ بحق المنافسة الشريفة في توجيه الشارع الكردي وفق سياسات الحزب والتي تستند على مواجهة ومقاومة المشاريع الشوفينية وليس للنيل من هذا الطرف أو ذاك .
وكذلك العمل على إشراك النخب المثقفة الكردية في المجلس السياسي من خلال اللجنة الاستشارية أو من خلال اللجنة الإعلامية الثقافية وكذلك إشراك الجماهير الوطنية في اللجان الجماهيرية التي ينوي الحزب بالبدء بتشكيلها استناداً إلى قرارات المؤتمر العاشر للحزب والعمل على توجيه كل الفعاليات والطاقات الكردية نحو مواجهة مضطهدي شعبنا من خلال تهيئته لمواجهة السياسات والمشاريع الشوفينية المطبقة بحقه وصولاً إلى تأمين حقوقه القومية المشروعة
ثانياً – على الصعيد الوطني : العمل الجاد والدؤوب على تعريف الرأي العام الوطني السوري بالقضية الكردية في سوريا من خلال لقاءات قيادة الحزب مع الفعاليات السورية المختلفة من سياسية واجتماعية وثقافية وحتى العاملون في الوسط الفني وكذلك اللجان النسوية السورية ، ومن خلال إعلان دمشق للتغير الديمقراطي كمظلة وطنية جامعة والذي يشارك فيه حزبنا بفعالية إلى جانب قوى وطنية كردية أخرى وقوى وشخصيات وطنية سورية من مختلف الاتجاهات والتيارات ، وبات البعد الوطني للقضية الكردية حقيقة واقعة تتبناها معظم القوى الوطنية والديمقراطية ، وباتت القضية الكردية جزءاً أساسياً من كل نشاطات إعلان دمشق داخل سوريا وخارجها .
وسوف يستمر الحزب بترسيخ هذا البعد الوطني وتحقيق أقصى درجات التواصل مع مختلف القوى الديمقراطية السورية حتى يتحقق التغيير الديمقراطي السلمي التدرجي في سوريا ، وتأمين الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي .
ثالثاً – على الصعيد الدولي : تركزت استراتيجيتنا على اختراق الطوق المفروض على الحركة من خلال القمع والتهديد والوعيد المفروض من السلطة ، ونجحنا في تعريف الرأي العام العالمي إلى درجة مقبولة بمعاناة شعبنا وقضيته وحقوقه والممارسات الشوفينية المطبقة بحقه .
إننا سوف نستمر على هذه الاستراتيجية والتي ستبقى مفتوحة وقابلة للتطوير بكل الأفكار الإيجابية التي تردنا من الأصدقاء ومحبي الشعب الكردي ، ويبقى الصراع الكردي/ الكردي من المحرمات بالنسبة لنا فإذا لم نستطع الاتفاق مع هذا الفصيل أو ذاك في أي مشروع لأي سبب من الأسباب فإن هذا لم ولن يؤدي إلى الصراع معه مهما تعرضنا للهجوم ، وإننا سنتعامل مع أي طرف كردي بالقدر الذي نتفق معه ، وسنناقش ونعالج معه نقاط الخلاف وذلك لتوسيع مساحة وعمق الاتفاق ، وسنترك ما تبقى من خلافات إلى ما بعد إنجاز أهدافنا القومية .
20 / 7/ 2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…