بشار الأسد: قصر العائلة المتواضع وثروات الغياب الكبرى

 إبراهيم اليوسف
التناقض بين المظهر والمخبر:
إنه من المفارقات الغريبة أن يكون بيت بشار الأسد “العادي” موضع نقاش، في حين أن الواقع يعج بالقصص عن ثرواته الهائلة التي تتجاوز حدود التصور. بيت الرئيس السوري، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد، لا يعكس نمط حياة قادة استبداديين آخرين عاشوا وسط القصور الفارهة. لماذا بدا بيته عادياً مقارنةً بثروات المليارات التي تراكمت لديه ولدى أفراد عائلته من الذهب والأموال والممتلكات؟
هذا التواضع الظاهري في بيت بشار، الذي لا يُظهر مظاهر البذخ، قد يعكس رؤية نفسية عميقة تحمل تفسيرات عدة. ربما كان يدرك أن هذا البيت ليس سوى محطة مؤقتة، وأن حياته وحكمه، مهما كانا طويل الأمد، فإن مصيره الهروب أو العيش في منفى بعيد. هذا الإدراك بأن “البيت” الحقيقي يجب أن يكون خارج البلاد، يعكس إحساساً داخلياً بعدم الأمان واليقين في المستقبل.
الثروات في الخارج: تحصين لمصير معلوم
عندما يُنظر إلى تكديس الأموال وبناء البيوت والمزارع في الخارج، يتضح أن بشار الأسد كان يعمل بعقلية الحاكم الذي يدرك هشاشة سلطته واستحالة بقائه في مواجهة الزمن. هذه البيوت والمزارع لم تكن مجرد استثمارات، بل كانت استعداداً لحياة خارج أسوار سوريا، حياة تم تصميمها لتكون بديلاً جاهزاً في لحظة السقوط.
ربما لم يكن البيت العادي في دمشق سوى واجهة زائفة تعكس محاولة لإظهار القرب من الشعب، بينما كانت الأعين دائماً تتجه نحو الملاذات الآمنة في الخارج، حيث تنتظر القصور والمزارع المزينة بأحدث مظاهر البذخ، معدة لاستقبال العائلة عندما تُجبر على الرحيل.
الرؤية النفسية والفلسفية للقرار
قرار بشار الأسد بالاحتفاظ بمسكن متواضع، رغم ثرواته الطائلة، يفتح أبواب التساؤل عن الدوافع النفسية وراء ذلك. هل كان هذا خياراً واعياً لإظهار صورة متناقضة تخدم البروباغندا؟ أم أنه يعكس حقيقة أعمق، حقيقة أن الحاكم الذي يعتمد على القمع والفساد يدرك في قرارة نفسه أنه غريب عن الأرض التي يحكمها؟
إن هذا النمط من التفكير ليس جديداً في التاريخ. الحكام الذين يشعرون بأن وجودهم مؤقت عادةً ما يستثمرون في الخارج، في أماكن يرون أنها ستكون أكثر أماناً لاستقبالهم. إنهم يعيشون بشعور مزدوج: من جهة، يدعون الانتماء والارتباط بالأرض، ومن جهة أخرى، يبنون عالماً موازياً يحصّنهم من لحظة السقوط التي لا مفر منها.
كما أن التناقض بين بساطة البيت المحلي وفخامة الممتلكات الخارجية يعكس شخصية متأرجحة بين خوف دائم من المستقبل ورغبة في الحفاظ على مظهر القائد العادي. ولكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن هذه التحصينات، مهما بلغت قوتها، لا تُنسي أن هذا التناقض هو مرآة لواقع حكم هش، مبني على القوة والفساد، دون أي جذور تربطه حقاً بالشعب والأرض.
في نهاية المطاف، قد تكون البيوت والمزارع في الخارج شاهداً على ثراء هائل، لكنها أيضاً دليل على انعدام الثقة والاطمئنان في الحاضر والمستقبل.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف الثورة بين المفهوم والواقع لا يختلف اثنان على أن الثورة الحقيقية، في جوهرها، هي تعبير عن إرادة الشعوب الطامحة إلى التغيير الجذري في الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تسلب حقوقها وحرياتها. إنها حركة تنبع من شعور عميق بالظلم والقهر، تهدف إلى تأسيس واقع أكثر عدلًا وإنصافًا. بهذا المعنى المثالي، كانت الثورة السورية في بداياتها-…

د. محمود عباس الأنظمة الدكتاتورية غالبًا ما تبرر تجاوزاتها وجرائمها، رغم إدراكها التام لمصيرها المحتوم. تستفيد هذه الأنظمة من دراسة تجارب مشابهة، لكن الغطرسة تعميها عن رؤية الحقائق. تركيا تُعد مثالًا على ذلك؛ فعلى الرغم من تبجحها بنظام ديمقراطي برلماني وانتخابات حرة، إلا أنها محكومة بدستور يغرق في العنصرية ومنهجية التفوق التركي. تتجاهل تركيا ردود الفعل الأمريكية تجاه دعمها للمنظمات…

أزاد خليل* في خضم العواصف السياسية وخطابات الكراهية التي تهبُّ على سوريا، يبقى الكورد راسخين على أرضهم، متمسكين بجذورهم وهويتهم التي عمرها آلاف السنين. من كوباني إلى عفرين، ومن قامشلو إلى حي الشيخ مقصود، يواصل الكورد الدفاع عن وجودهم، رغم كل محاولات التهميش والشيطنة. شركاء في الوطن لا عابرون فيه يُصرُّ البعض على وصف الكورد بأنهم غرباء أو ضيوف…

حمدو يوسف يُعتبر اهتمام الولايات المتحدة والدول الغربية بشرقي الفرات في شمال شرقي سوريا نتيجة لمجموعة من الأسباب السياسية والاستراتيجية والاقتصادية التي تجعل هذه المنطقة محورية في سياساتهم. تُعد المنطقة معقلاً سابقاً لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ولذا فإن استقرارها يساهم في الحد من تهديد التنظيمات الإرهابية على الأمن الإقليمي والدولي. قوات سوريا الديمقراطية تلعب دوراً رئيسياً في هذا الإطار، وتحظى…