صلاح بدرالدين
قد تضيع اللحظة التاريخية ولكن لن يفوت الأوان
دائما هناك لحظات تاريخية في حياة الشعوب خصوصا عندما يلتقي الذاتي والموضوعي في الزمن المحدد الذي قد لايطول الى الابد ، عن الأسبوعين الأخيرين مابعد التحرير اتحدث ، والفرصة السانحة لنا نحن الكرد ، لنعيد ترتيب بيتنا الخاص عبر المؤتمر الوطني الكردي السوري الجامع ، والمقصود نعيد بناء ماتهدم من حركتنا السياسية ، ونعيد تعريفها الحقيقي ، ونرفع عنها الاغطية الحزبوية البالية ، وننقذها من حالة الانقسام ، والتشرذم والعجز ، والتراوح في المكان ، لاستعادة مكانتها اللائقة ، وتمثيلها الشرعي للغالبية الوطنية المستقلة ، وارادتها الحرة في اختيار مصيرها ، وانتزاع حقوقها المشروعة عبر الحوار ، ضمن المسار الوطني في سوريا الجديدة ،ولتصبح رقما فاعلا في المسيرة الوطنية .
في حصيلة الأسبوعين الأخيرين من المساعي المبذولة لتذليل العقبات امام توفير شروط عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع ، نستطيع القول بحصول تقدم بطيئ فمن ناحية يحظى المشروع برضا شعبي واضح ، وواسع ، واستجابة من النخب الشبابية ، والثقافية الجادة والملتزمة بقضايا الشعب ، والوطن ، وتجاوب – غير رسمي وغير حاسم – من جانب بعض أحزاب ( الوحدة الوطنية ) ، وكذالك افراد من بعض التنظيمات ضمن – الانكسي – ، ومازال الانتظار سيد الموقف بخصوص الموقف النهائي من جانب أحزاب طرفي الاستقطاب .
التطور المهم الذي حصل بعد جملة من اللقاءات التشاورية ، والنقاشات الدائرة حول آليات المؤتمر المنشود ، ظهرت فكرة صائبة وعملية لتذليل عقبة الوقت ، بتقسيم اعمال المؤتمر الى مرحلتين : الأولى انقاذية عاجلة باحتفاظ كل طرف حزبي باسمه ، ومؤسساته ، وامواله الى جانب التوافق على وحدة الموقف الكردي ( المستقلون والأحزاب ) خلال مخاطبة العهد الجديد بدمشق ، وبعد ذلك استكمال اعمال المؤتمر نحو إعادة بناء الحركة من جديد ، والاندماج في حركة سياسية مدنية سلمية متطورة ، وصياغة المشروع ، والبرنامج السياسي ، وانتخاب قيادة تتحمل المسؤولية في المستقبل .
جاء ( الوسيط !) لخدمة مصالح بلاده
الطرفان الحزبييان ( حزب الاتحاد الديموقراطي ، والمجلس الوطني الكردي ) يرددان في وسائل الاعلام منذ أعوام ان ممثلين للتحالف الدو لي – امريكي وفرنسي – يتوسطان بينهما ، وليس معلوما هل هما من دبلوماسيي وزارتي الخارجية في البلدين ، ام من أجهزة المخابرات ، ام من القوات العسكرية ، من جهة أخرى فان ( الوسيطين ) لم يعلنا في وسائل الاعلام حتى الان موقفهما من الحالة الكردية السورية ، وهل يقران بوجود قضية كردية في سوريا أصلا ، وسبل حلها ، اما ماهو واضح لدى المتابع فانهما يتجاهلان حقيقة الوضع الكردي حتى لو كانا على اطلاع عبر تقارير مصادرهما في المناطق الكردية ، وعلى مايظهر فان الأهم لهما هو الإيحاء للعهد الجديد بدمشق ، ولزميلتهما في حلف الناتو – تركيا – وبشكل اخص للراي العام الداخلي في بلديهما من زاوية المنافسات الحزبية الداخلية ( إدارة بايدن الحالية لم تعد صاحبة القرار ، وحكومة الرئيس ماكرون في اضعف حالاتها ) ان الكرد السوريين من حصتهما ، وانهما يمسكان بزمام الأمور في البقعة الجغرافية الأخطر بسوريا ، لذلك يمكن القول انهما مازالا يديران الازمة ، وليسا في وارد حلها .
خصوصيات كردية يتجاهلها ( الوسيط !)
هناك أمور داخلية خاصة بالحركة الكردية السورية ، تتعلق بالماضي والحاضر ، وبالنهج الفكري والسياسي ، وبمسالة الارتباط الخارجي ، والتبعية ، والاستقلالية ، والموضوع العسكري والأمني ، والتجاوزات ، والفساد ، والعلاقة مع العهد الجديد ، وهناك أيضا حقيقة الخارطة السياسية في المجتمع الكردي ، وغلبة الوطنيين المستقلين عددا وموقفا ، واذا علمنا ان طرفي الصراع يتجاهلان تلك الحقائق ويصران زورا انهما الطرفان الوحيدان في الساحة الكردية للاستئثار في التمثيل الافتراضي ، فللاسف نرى ان رؤية – الوسيط ! – لاتختلف من حيث الجوهر ، والواقع عن موقف الطرفين الحزبيين ، ومن الغريب حقا ان يتجاهل هذا الوسيط الزلزال السوري ، وسقوط نظام الاستبداد ، وتاثير ذلك على الوضع الكردي من ناحية تبدل التحالفات ، وزوال اطراف كنتيجة طبيعية لما حصل في سوريا .
تدويل ام تضليل ؟
في ظل نظام الاستبداد البائد بالاعوام السابقة وجد مسؤولو أحزاب طرفي الاستقطاب خصوصا في سلطة الامر الواقع ذرائع ، ومسوغات ، وخلال مواجهة – داعش – تحديدا ( معظمها وقتية ) ، في فرض التجنيد الاجباري حتى على القصر ، والنساء ، وقمع الحريات العامة ، والاعتماد على قوى خارجية ومحتلة لاجزاء من بلادنا ، وذلك عندما كانت الدولة غائبة في ظل الدكتاتورية ، والان رحل الاستبداد الى غير رجعة ، وتغيرت الأحوال ، واصبح الشعب السوري ومن ضمنه الكرد السورييون أحرارا ، والسؤال هنا : الايجدر بالوسيطين ( الأمريكي – الفرنسي !) إعادة النظر بالوضع السوري العام والكردي على وجه الخصوص ؟ اليس من واجب أحزاب الطرفين مصارحة الكرد والسوريين عموما بالحقائق ؟ اذا كان البعض من تلك الأحزاب يعتبر – وساطة – التحالف تدويلا للقضية الكردية السورية فليشرحوا ذلك للملأ ، والكل يعلم ان غالبية تلك الأحزاب لاتتبنى نهج حق تقرير المصير فكيف اذن تطالب بالتدويل يا للتضليل ، يا للمزايدات في وضح النهار ، والكل يعلم أيضا ان – الوسيط – لايحمل في جعبته أي شيئ يتعلق بالحل الديموقراطي للقضية الكردية السورية ، ان استمرارية أحزاب الطرفين بهذا النهج التضليلي ، والدعوة لوصاية الأجنبي ستكلف الكرد السوريين اثمانا باهظة ، ولكن شعبنا في درجة من الوعي تمكنه من ان لا يسمح بحدوث كوارث أخرى .