شادي حاجي
لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول به ، بل ربّما يحدث تأثّر وتأثير متبادلان دون إقرار بذلك من الطرفين وأيضاً لاتجري ولاتتقيد في مدىً زمني محدّد .
أمّا التفاوض فهو يجري بين طرفين هما على معرفة مسبَقة بما يريده الآخر، وهو ينطلق في إطار المحادثات بهدف الحصول على مكاسب في بعض الجوانب والأصعدة مقابل تنازلاتٍ في جوانب وأصعدة أخرى يمكن التنازل عنها . أي أنّ كلّ طرفٍ مفاوض يكسب ويتنازل في الوقت نفسه، وبالنتيجة يكون الفارق بين الطرفين المتفاوضين هو في مدى حسابات الربح والخسارة.
لذلك أقول للمتفاوضين ممثلي المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي والأحزاب المتحالفة معها بكل صراحة ووضوح
أن المرحلة التاريخية الدقيقة والهامة، التي تمر بها سوريا والشعب الكردي شعباً ووطناً وقضية وجغرافية سياسية بعد سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة هيئة تحرير الشام أو ادارة العمليات العسكرية على دمشق وهروب الطاغية يتم فيها رسم شكلها الجديد ومستقبلها.
وهذا يتطلب منكم معرفة مايلي وأخذها بعين الاعتبار:
1 – أن مايهم الشعب الكردي في سوريا ومستقبل أجياله وقضيته العادلة هو ليس من منكم يكسب أويتنازل أو من منكم يخسر أو يربح أو من منكم يستلم أو يشغل هذا المنصب أو ذاك أو كم حصة هذا الطرف أو ذاك من الواردات المختلفة والمتعددة وأشياء أخرى من أفراد وأحزاب بل مايهم الشعب هو الاتفاق على رؤية استراتيجية سياسية قانونية ثقافية دبلوماسية اقتصادية اجتماعية جادة وواقعية واضحة المعالم والمراحل والأهداف تساعد على تجاوز التناقضات الحزبية الضيقة والحادة والتي تمثل وتعبر عن حقيقة طموحات وتطلعات الشعب الكردي في سوريا ببنود واضحة وصريحة ومفصلة وأن لاتكون غامضة ومبهمة تحتمل أكثر من تفسير وأن يحتاج كل بند من بنودها الى صراعات جديدة .
2 – تشكيل مركز قرار كردي موحد يمثل كل الشعب الكردي في سوريا، وتكون لها منصة وشخصية مستقلة، حيث أنه من المعروف أن الشعب الكردي ممثلة بالأحزاب والأطر السياسية يفتقد لهذا الأمر في سوريا والمحافل الدولية لا أن يكون الكرد جزء من هذا الطرف أوذاك وبذلك سيكون للشعب الكردي مركز قرار ومنصة وشخصية مستقلة تمثل القومية الكردية باعتبارها القومية الثانية في البلاد وستكون للمنصة الكردية رئيسها وناطقها الإعلامي وبرنامجها الخاص بها على أن تتحرر مركز القرار الكردي من هيمنة أشخاص وأحزاب وتتحول الى مؤسسة تدافع عن الشعب وتسعى لتجسيد حقوقه وطموحاته القومية في الحرية والانعتاق من الظلم والاضطهاد .
3 – على المتفاوضين أن يدركوا أنه طالما كان الوضع الكردي بهذا الشكل من الهزالة والتفكك، وبغياب منصة وشخصية اعتبارية كردية مستقلة تمثل الشعب الكردي في سوريا، لن يتم إنجاز الشيء الكثير، لأن التفاوض هو انعكاس للواقع الموجود على الأرض من حيث نقاط القوة والضعف .
4 – أن تكون هناك جهة ضامنة قادرة على متابعة تنفيذ القرارات والضغط على الجهة المعرقلة ومحاسبتها .
حيث وكما يقال :
( أن اتخاذ القرار ليس نهاية المطاف … بل في الحقيقة بدايته ) .
لذا وكما تعلمون يقال أيضاً أن العبرة في التنفيذ وليس في اتخاذ القرارات .
فإتخاذ القرار يحتاج إلى التنفيذ والتنفيذ يحتاج إلى المتابعة والتقويم والتقويم ربما يتطلب الكثير من التعديلات والإضافات على تلك القرارات أو حتى إلغائها وفق المستجدات الوطنية والدولية واستحقاقات القومية في تلك المرحلة .
5 – تشكيل وفد دبلوماسي كردي مشترك وموسع وتعزيزه بهيئة استشارية مكونة من خبراء متخصصين في التحليل السياسي والقانون الدولي والاعلام واللغات والعلوم الأخرى ذات العلاقة ممن لهم باع طويل وخلفية متينة بهذه الأمورالمهمة على الأقل والعمل على تحرير الدبلوماسية الكردية من هيمنة وحدود أشخاص حزبية بعينها والوصول بها الى مؤسسات فاعلة لأننا ومع الأسف نعاني ضعفاً واضحاً في هذا المجال الحيوي والمهم .
6 -الإلتزام بما يتخذ وبمحض إرادتكم من قرارات وتعهدات واحترام تواقيعكم لأنه سبق وأن ضربنا باتفاقاتنا وتعهداتنا وتواقيعنا بعرض الحائط وضحينا بها لأسباب مختلفة وأحياناً لأسباب تافهة وبسيطة ودون ثمن وهذا يعني انه مازال أقوالنا أكثر جرأة من أفعالنا ومازال زمننا دائري نبدأ من الصفر ونعود الى نقطة البدء الصفر .
هل من مجيب ؟
شادي حاجي – ألمانيا في 23/12/ 2024