وبقيت للأسد… زفرة

مشاري الذايدي
رغم تحفّظ بعض المنصّات الإعلامية، على صحّة صدور البيان المنشور عن الرئيس السوري الهارب، بشّار الأسد، فإن لغة وروح و«برودة» المفردات وتحذلقها، تجعلنا نرتاح إلى صدق صدور البيان عن المشكاة الأسدية.
صدر من حساب رئاسة الجمهورية السورية على منصّات السوشيال ميديا، ومنها منصّة «تلغرام» الروسية، بيانٌ يشرح فيه بشّار الأسد، من حِصنه الروسي، ملابسات هروبه، طبعاً هو لمّ يصفه بذلك، ويخبرنا بمسيرته النضالية الوطنية وصفاته القيادية، ونبله المتعالي على المصالح الشخصية… وغير ذلك.
جاء في نصّ بيان بشار الأسد هذا قوله: «لم أكن من الساعين إلى المناصب، بل كنتُ صاحبَ مشروعٍ وطني».
حسناً، لماذا غادرتَ وطنكَ ولم تقاتل لآخر لحظة، مثل صدّام حسين في العراق، والقذّافي في ليبيا، وعلي عبد الله صالح في اليمن؟!
يجيب بشار في بيانه: «مع سقوط الدولة بيد الإرهاب وفقدان القدرة على تقديم أي شيء يصبح المنصب فارغاً لا معنى له ولا معنى لبقاء المسؤول فيه».
طيّب… هل يعني هذا استقالة بشار من العمل السياسي إلى الأبد، والتجمّد مع إيقاع سيبيري روسي خالد، بعيداً عن عواصف وبراكين الشرق الأوسط؟!
ينبّهنا بشار في بيانه إلى مشروعه المستقبلي فيقول إن «هروبه» على طائرة روسية من جبال سوريا الغربية، من القاعدة الروسية الجوّية «حميميم» لا يعني نهاية حكاية بشار، فيقول: «لا يعني بأي حال من الأحوال التخلي عن الانتماء الوطني الأصيل إلى سوريا وشعبها، انتماءً ثابتاً لا يغيِّره منصب أو ظرف، انتماء ملؤه الأمل في أن تعود سوريا حرة مستقلة».
لكن ألا يُعدُّ هذا التعلق بحلم العودة إلى كرسي الرئاسة في سوريا، تحت عنوان «الانتماء الوطني الأصيل» و«عودة سوريا حرّة مستقلّة» كما يقول، ألا يعني هذا عِشقَ المنصب والتحنّث في محرابه إلى الأبد؟!
يقعُ على مسامعنا هذا البيان الأسديّ المتسامي، فيقول: «إنني لم أكن في يوم من الأيام من الساعين للمناصب على المستوى الشخصيـ بل عددت نفسي صاحب مشروع وطني أستمد دعمه من شعبٍ آمنَ به»!
علامةُ التعجّب الأخيرة، من إضافتي وليست من نصّ البيان.
هذه الأفكار والرسائل، مبنىً ومعنىً، تكشف عن عِلّة العقل الأسدي الحاكم طيلة ربع القرن الأخير. انفصالٌ عن الواقع، وخلق فقاعة وهمية والعيش داخلها، وتخيّل العالم من داخلها.
أصْدُقُكُم القول إنني لم أجد أبْلغَ من العبارة المنسوبة إلى أم أبي عبد الله الصغير، آخر ملوك غرناطة الأندلسية، عندما استسلم لخصومه، وغادر عاصمته، وأضاع مُلكاً لم يحفظه.
للأمانة التاريخية، لقد كان جُلّ السوريين، لا يمانعون من حكم بشار الأسد لهم، بل استبشروا به أول ما حكم، ولم يلتفتوا إلى حكاية لونه الطائفي، ولم يُحمّلوه وِزر عهد أبيه حافظ… لكنّه أبى هذه الهدية التاريخية من السوريين… فكان ما كان، وصان الله دمشق الفيحاء، وحلب الشهباء، ومدينة أبي الفداء، من المقبل المجهول.

=============

الشرق الأوسط

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ عقود، كان الكرد في” روج آفا”، كما في سائر كردستان، على موعد مع معركة مستمرة ضد الأنظمة الاستبدادية التي تحاول سحق هويتهم وثقافتهم. كانت تلك المعركة في البداية محلية، لكنها سرعان ما تحولت إلى ساحة لصراع أوسع، حيث جرت محاولات لاستغلال الكرد وتحويلهم إلى أدوات في صراعات سياسية لا تتعلق بمصالحهم الحقيقية. مع ظهور حزب العمال الكردستاني”…

صلاح بدرالدين اندلعت الثورة السورية المغدورة نتيجة الانفجار الشعبي العفوي ضد الاستبداد ، خصوصا بعد تلاقي الحراك الشبابي الوطني الثوري من خلال الاحتجاجات والتظاهرات السلمية مع انتقال قسم كبير من منتسبي الجيش من الجنود ، والضباط الى صفوف الشعب ، ولم يلبث ان – تسللت – أحزاب ، ومجموعات غالبيتها إسلامية سياسية ، وسيطرت على مقاليد أمور الثورة ومن ثم…

نديم قطيش «الشام غلَّابة» يقول السوريون. والشام هي أولاً وأخيراً دمشق، بطبقاتها الحضارية المتراكمة، الآرامية والإغريقية والرومانية والبيزنطية والأموية والعثمانية والفرنسية وما بعد. هي الحاضرة الفريدة بقدرتها على التكيف والتطور عبر آلاف السنين، ونقطة التقاء الحضارات والثقافات والأديان، وخطوط التجارة بين القارات. صنعت من مرونتها الثقافية إرثاً مدينياً فريداً ومستداماً، يختصر مكانتها المحورية، سواء كمركز للمسيحية المبكرة أو لاحقاً كمدينة…

تحية طيبة وبعد، في ظل التحولات الجذرية التي شهدتها سوريا مؤخرًا، والتي أسفرت عن إسقاط نظام بشار الأسد الدكتاتوري وسيطرة هيئة تحرير الشام على الحكم في دمشق، نرى أنفسنا أمام مرحلة مفصلية تتطلب توحيد الجهود والعمل الجماعي لبناء مستقبل يضمن العدالة والاستقرار لكافة مكونات الشعب السوري. وفي هذا السياق، نوجه هذه الرسالة إليكم جميعًا، قيادات وقواعد حزبية وشخصيات مستقلة، لدعوتكم…