الارتباط بالخارج ، وأثره على مستقبل سوريا الجديدة. ؟

اكرم حسين 
على مدى ثلاثة عشر عاماً من الحرب الأهلية السورية ، بات الارتباط بالجهات الخارجية سمة بارزة لدى جميع الأطراف الفاعلة في الصراع. فقد اعتمدت على المال والسلاح والدعم اللوجستي المقدم من دول ومنظمات خارجية بهدف إسقاط النظام الاسدي ، مما أدى إلى تعقيد المشهد السياسي والعسكري في البلاد ، وتحويل سوريا إلى ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية والدولية . هذه الارتباطات ، كانت وسيلة في البداية لتحقيق أهداف مرحلية ، الا أنها تحولت تالياً إلى عقبة رئيسية أمام تحقيق الاستقلال الوطني ، وبناء مستقبل سوريا.
إن رفض الارتباط بالخارج يجب أن يكون واضحاً وصريحاً لكل من يسعى إلى إعادة بناء سوريا جديدة ومستقلة. فالجهات الخارجية التي قدمت الدعم للأطراف السورية المختلفة كانت، ولا تزال، مدفوعة بمصالحها الخاصة، و غالباً ما كانت هذه متعارضة  مع المصالح الوطنية السورية. لأن الاعتماد على هذا الدعم كان سبباً مباشراً في تآكل الهوية الوطنية السورية وتعزيز التبعية للخارج ، مما جعل القرار الوطني السوري مرتهناً بإرادات خارجية ، ليس لديها الهمّ  بتحقيق الأمن و الاستقرار بقدر ما تسعى لتحقيق نفوذها في المنطقة.
لا يمكن لأي طرف سوري أن يدّعي امتلاكه الحل الوطني ، في الوقت الذي يعتمد فيه على أجندات خارجية ، ففي سوريا ارتبطت جميع  الأطراف تقريباً  بالخارج خلال سنوات الحرب، لكن ارتباط بعض القوى السورية بدول بعينها شكّل خطراّ كبيراّ على مستقبل البلاد. لانه عزّز النفوذ الخارجي ومنح هذه الدول دوراً وصائياً على مستقبل سوريا، مما يهدّد بتحويل البلاد إلى منطقة نفوذ مستدامة تُدار من الخارج.
إذا أراد السوريون بناء وطن حر ومستقل ، فعليهم جميعاً، دون استثناء، إنهاء التبعية للأطراف الخارجية ، والعمل على استعادة القرار الوطني المستقل ، وهي مهمة  ليست سهلة، لكنها أساسية لضمان بناء دولة تعكس تطلعات الشعب السوري بكافة مكوناته.
سوريا الجديدة التي نحلم بها يجب أن تدار من قبل السوريين أنفسهم عبر نظام سياسي تشاركي قائم على مبدأ المواطنة المتساوية واحترام حقوق جميع المكونات. هذه الدولة لا يمكن أن تُبنى إلا بإرادة وطنية خالصة تتجاوز الانقسامات الطائفية والعرقية التي غذتها سنوات الحرب وتدخلات الأطراف الخارجية.
إحدى القضايا التي تحتاج إلى معالجة عاجلة في إطار إعادة بناء سوريا هي تجاوز الحساسية تجاه القضية الكردية. فالكرد ليسوا مجرد أقلية عددية ، بل هم مكون أصيل في النسيج الوطني السوري . لهم حقوق مشروعة يجب أن تُحترم وتُضمن ضمن أي تسوية سياسية مستقبلية. لأن التعامل مع هذه القضية بإنصاف واعتراف صريح بحقوق الكرد الوطنية سيعزز الوحدة الوطنية ويمنع استخدام هذه القضية كذريعة للتدخلات الخارجية.
إن مستقبل سوريا يعتمد على قدرة السوريين على فك الارتباط بالأجندات الخارجية ، والعمل معاً لبناء وطنهم. فأي تسوية سياسية تُفرض من الخارج ستكون عرضة للفشل، وأي نظام سياسي لا يعترف بحقوق جميع المكونات ولا يُؤسس على مبدأ المواطنة المتساوية لن يحقق الاستقرار المطلوب.
سوريا يجب أن تكون لكل السوريين، دولة مستقلة خالية من الهيمنة والتبعية، على أسس العدالة والمساواة ، و مشاركة جميع الأطراف في صنع القرار.
إن الطريق إلى تحقيق هذا الهدف لن يكون سهلاً، لكنه الطريق الوحيد لضمان مستقبل مستقر ومزدهر لسوريا. بعد عقدٍ من الحرب، أصبح واضحاً أن الحل لن يأتي من الخارج، بل من داخل سوريا نفسها. فالسوريون وحدهم هم من يستطيعون بناء دولتهم واستعادة سيادتهم، شرط أن يتحلوا بالإرادة والجرأة اللازمة لإنهاء التبعية  والعمل معًا من أجل مستقبل مشترك.
باختصار، فإن سوريا المستقبل يجب أن تكون نموذجاً لدولة المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية، دولة تصون حقوق جميع مواطنيها دون تمييز، على أسس الشراكة الوطنية التي تنبذ كل أشكال التبعية والهيمنة الخارجية.
هذه الرؤية تحتاج إلى تضافر جهود جميع السوريين وإرادتهم المشتركة لتحقيقها…!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…