دلدار بدرخان
هل العدالة الانتقالية ميزان يُقيم به الحق على الجميع دون استثناء، أم أداة تُرفع في وجه طرف وتسقط عن طرف آخر، و هل يمكن أن يُختصر الألم السوري في جرائم النظام وحده بينما تُطوى صفحات سوداء أُخرى كأنها لم تكن؟
و ماذا عن أولئك الذين سرقوا معامل حلب وثروات سوريا وهربوها إلى تركيا؟ هل تُنسى هذه الجريمة وكأنها لم تطعن في القلب والظهر السوري، و كذلك ماذا عن قادة الفصائل الذين تحولوا من “ثوار” إلى مرتزقة و أمراء حرب ينهبون ويقتلون، بينما تزدحم حساباتهم البنكية بملايين الدولارات في الخارج بعيداً عن أنين الجائعين والأمهات الثكالى في المخيمات؟
وماذا عن ساسة المعارضة في الائتلاف و حكومته المؤقتة؟ ألم يُهدر تحت أياديهم مليارات الدولارات التي كانت أملًا لبناء وطن، أولئك الذين جلسوا على كراسيهم المزخرفة بينما تكدست ملفاتهم بالفساد والسرقات ، فهل هم خارج نطاق العدالة والحساب ؟
أليس من المعيب أن ننسى قادات الفصائل و الائتلاف ونوابهم الذين تفنّنوا في النهب وكأنهم كانوا يتنافسون مع النظام على من يرتكب الفظائع الأكبر، أو تلك الشخصيات التي لبست قناع المعارضة لكنها كانت على ذات الدرجة من الفساد والشراهة والإجرام ؟
أي عدالة هذه التي تُغض الطرف عن هذه الجرائم، فإن كانت العدالة التي تنادون بها تستثني هؤلاء، فاسمحوا لي أن أقولها بصراحة أن عدالتكم أشد ظلماً من عدالة من سبقوكم .
لأن العدالة الحقيقية ليست انتقائية، ولا تعرف المهادنة و لا تنحاز ولا تساوم، بل تنير الطريق للحق وتضع الجميع تحت مظلتها، فمن أراد بناء وطن على أسس سليمة عليه أن يفتح كل الملفات بلا استثناء أو محاباة، وعليه محاسبة كل من تورط من قادة عسكريين وسياسيين نظام كان أو معارضة، ممن شاركوا في رسم هذه المأساة ضد الشعب السوري منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا، و لا تتركوا أحداً منهم خارج دائرة المساءلة، فقد أضاعوا أمانة الثورة وحقوق الشعب.
ولتعلموا أن سوريا لن تنهض بعد هذا الدمار إلا بعد أن تُبنى العدالة على أسس شفافة وشاملة ، و يشمل الجميع دون استثناء، فقط عندها يمكن أن نتحدث عن وطن جديد تصالحت فيه الحقوق مع الحقيقة.