نشوة السقوط و الخوف من المستقبل

مروان سليمان

 

رغم سقوط النظام الديكتاتوري المجرم، وتلقي أصدقائه و حلفائه من إيران و روسية و المنظمات الإرهابية التي كانت تسانده و التي كانت مهيمنة على مقدرات الشعب السوري خلال عقود من الزمن، و لكن يجب علينا أن نكون حذرين جداً في التعامل مع هذا الواقع الجديد و عدم الإفراط في التفائل الملئ بالشعارات الرنانة تارة و التهديد و الوعيد تارة أخرى و التي تتطور و تنقلب ساعة بعد ساعة.

إن هذه المجموعات التي وصلت خلال عشرة أيام إلى دمشق بدون قتال و مقاومة على شاكلة التسليم و الإستلام لا يمكن أن نعقد عليها الآمال أو نستمد منها الأمل المطلق، لأن هذه المجموعات تم دمجها مع بعضها البعض من أجل تحقيق هدف إسقاط النظام فقط و لكنها في الواقع لديها حسابات مفتوحة في القتل و الإجرام ضد القوميات و المذاهب الأخرى مثل الكرد و العلويين و لا يشكلون معسكراً واحداً بل هم مجموعات لديها مصالح متناقضة و أفكارها تكفيرية و جهادية و الأهم من ذلك أنها لا توجد لها خلفية أو بوادر في تشكيل مجتمع مدني أو ممارسة سياسة ليبرالية من أجل تطوير و تقدم المجتمع و الإنتقال إلى مرحلة أخرى جديدة يمارس فيها المواطن حقوقه و يقوم بواجباته أو كتابة دستور عصري جديد بما يناسب المرحلة المقبلة و ينسجم مع متطلبات الشعب السوري برمته.

إن الزلزال المفاجئ الذي ضرب سوريا ما زال في قمته و يجب الحذر و المشاركة الفعالة من قبل جميع فئات الشعب في صياغة الواقع السياسي الجديد و التعلم من أخطاء الماضي في سبيل عدم تكرارها أو إقصاء أطراف غير مدعومة دولياً أو إقليمياً لأن هذه الدراما التي حدثت في سوريا جعلت الشعب يجهل حقيقة التعامل مع المفاجئة التي جاءت بمثابة هدية للشعب السوري  لأن إحتمالات هذا الإنقلاب كانت حتى الأمس لم تكن في متناول الأيدي.

من هنا يجب على الكرد التعامل مع هذه الواقعية بجدية كبيرة و قراءة المشهد جيداً و عميقاً سواء داخل العمق السوري من خلال فهم الواقع و طبيعة التعامل مع صناع القرار الجدد الذين ظهروا على المسرح السوري  و معرفة الخطط و السياسات التي من الممكن رسمها و فحص التقديرات عن كيفية التعامل مع القضية الكردية في سوريا أو من جانب الدول الإقليمية و العالمية التي تتفاعل على الساحة السورية من خلال التعرف إلى طبيعة اللاعبين على الساحة السورية و المساهمة فيها من خلال تتبع سياسة واعية و تحليل السيناريوهات الممكنة في المستقبل لأن المفاجئة و اللاعبين المكشوفين في هذه العملية تجعلنا في وضع غير مريح أبداً بالنسبة للتقديرات المستقبلية و الوقائع على الأرض.

التفائل بإسقاط الطاغية لا يعني بأننا أصبحنا في جنات النعيم و لا يعني أن نترك مصيرنا للقدر المحتوم و لا يعني أن ندير ظهورنا لمن يحكمنا في المستقبل و بقدر التفائل الكبير هناك تقديرات أكثر تشاؤماً بسبب الأحداث التي مرت بها المنطقة و وراثة هذه الأفكار التي تدعو إلى إلغاء الآخر و الموروث الثقافي و الإرث التاريخي منذ عقود التي بنيت على الأباطيل و الكذب و لذلك يجب علينا أن نتخذ قراراتنا بالعمل على فهم الواقع و التحلي بالقيم و السعي الدائم لمعرفة الآخر و قراءة أفكاره في العمق.

مروان سليمان

السلك التربوي- المانيا

10.12.2024

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…